منذ اندلاع الثورة السورية كانت النساء في الصفوف الأمامية للحراك الشعبي، فخرجن في المظاهرات السلمية، وأدارت كثيرات منهن المبادرات المدنية، ووثقن الانتهاكات التي ارتُكبت بحق السوريين ليصبحن شاهدات على مرحلة مفصلية من تاريخ البلاد، ومع اشتداد القمع والحرب برزت المرأة السورية كقوّة اجتماعية وإنسانية إذ قادت مشاريع إغاثية وقدّمت الدعم النفسي والاجتماعي، وأسهمت في توفير التعليم والرعاية الصحية في المجتمعات المنكوبة ما ساعد في صمود السوريين رغم قسوة الظروف.
بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول ديسمبر 2024 دخل السوريون مرحلة انتقالية فارقة لإعادة بناء دولتهم بعد أكثر من نصف قرن من الاستبداد، هذه المرحلة ليست مجرد انتقال سياسي بل فرصة تاريخية لإرساء أسس جديدة للديمقراطية والعدالة والمساواة، حيث تصبح مشاركة المرأة حجر الزاوية في صياغة مستقبل سوريا، فتمثيل النساء ليس حقاً طبيعياً فحسب، بل ضرورة حيوية لبناء مجتمع متوازن يضمن المصالحة الوطنية ويكرّس قيم الشراكة والعدالة.
تمكين المرأة في المرحلة الانتقالية لا يعتبر ترفاً أو شعاراً سياسياً، بل هو عامل حاسم في إنجاح عملية إعادة البناء وترسيخ الاستقرار، فالمجتمع الذي يستبعد نصف طاقاته يفقد فرصته في النهوض، لذلك فإن إشراك النساء في المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو الطريق لإنتاج سياسات أكثر شمولية وعدلاً تعكس احتياجات المجتمع بأكمله، كما أن رفع مستوى الوعي بحقوق المرأة ومواجهة الصور النمطية التي تقيّد حضورها خطوات ضرورية لخلق بيئة تتقبّل قيادتها في مختلف الميادين.
ورغم كل ما أثبتته المرأة السورية من قدرة على القيادة والمواجهة مازالت تحديات جسيمة تعرقل مشاركتها الكاملة على الصعيد الاجتماعي، تستمر الثقافة التقليدية في الحد من أدوار النساء وإبقاء كثيرات منهن أسيرات الصور النمطية، وعلى المستوى السياسي يظل تمثيل النساء في الهيئات القيادية ضعيفاً وسط غياب إرادة سياسية حقيقية لفرض معايير المساواة، أما في الجانب الأمني فمازالت النساء عرضة لانتهاكات متكررة في ظل غياب بيئة آمنة تكفل لهن حرية المشاركة في العمل العام.
ما يميّز المشهد السوري الراهن هو التناقض بين الدور الفاعل الذي لعبته المرأة خلال الثورة والحرب وبين الطابع الشكلي الذي يطغى على تمثيلها في مراكز صنع القرار خلال المرحلة الانتقالية، فالنساء شاركن في إدارة المجتمع تحت أصعب الظروف لكن حضورهن في المؤسّسات السياسية الجديدة لا يزال محدوداً ويُختزل غالباً في أرقام وإجراءات شكليّة.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى مقاربة جادّة تعترف بالمرأة السورية كشريك حقيقي في إعادة بناء الدولة، وهذا يتطلّب صياغة قوانين تكفل المساواة وتبني سياسات داعمة لتمكين النساء في الحياة السياسية والاقتصادية وتوفير بيئة آمنة تضمن مشاركتهن الحرّة والفعّالة.
وسوريا الجديدة لن تُبنى إلا بسواعد جميع أبنائها وبناتها فالمشاركة الفعلية للمرأة ليست خياراً يمكن تجاوزه، بل شرطاً أساسياً لتحقيق السلام والاستقرار وضمان أن تكون المرحلة الانتقالية بداية حقيقية لبناء دولة المواطنة والعدالة لا مجرّد إعادة إنتاج للتمييز والإقصاء.
آلاء الحمد- عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري.