ما تشهده محافظة السويداء اليوم ليس مجرد اضطرابات أمنية عابرة بل هو مشهد معقد تتداخل فيه الدعوات الطائفية بخطاب كراهية خطير يستهدف المجتمع بأكمله ويفتح الباب أمام فوضى لا تبقي ولا تذر .
تتوالى الأحداث في المحافظة وسط حالة من التوتر المتصاعد الذي بدأ بخطابات تثير الشك وتزرع الانقسام بين مكونات المجتمع الدرزي والبدوي والذي عرف تاريخياً بتماسكه وتعايشه وسلمه الأهلي العريق.
خطاب الكراهية هو أي تعبير أو سلوك يهدف إلى إثارة العداء أو التمييز ضد أفراد أو جماعات بناء على هويتهم، أما التحريض فهو الشكل الأخطر من هذا الخطاب لأنه يتضمن دعوة صريحة أو ضمنية إلى ارتكاب العنف وهو ما نشهده بوضوح اليوم في السويداء عبر منصات إعلامية وصفحات إلكترونية وحملات ميدانية تستهدف النسيج الاجتماعي بهدف تفكيكه وإشعال الفتنة.
لقد أصبح واضحاً أن هناك من يسعى لتحويل خطاب الكراهية إلى عنف فعلي عبر تغذية الانقسامات والدفع نحو الصدام المباشر بين مكونات المجتمع المحلي تحت ذرائع واهية وعبارات خبيثة ظاهرها الحرص على الحقوق وباطنها دعوات للدم والتفكك، إن الفتنة لا تبدأ بالسلاح بل بكلمة مسمومة تنشر الحقد ثم تتحول إلى نار تحرق البيوت والمجتمعات.
ما يزيد من خطورة الموقف هو التوظيف الخارجي لهذا الصراع الداخلي حيث نشهد محاولات مشبوهة من جهات خارجية لاستثمار الأزمة لصالح أجنداتها الخاصة عبر فرض وقائع ميدانية وسياسية على الأرض بعيداً عن مصلحة أبناء المحافظة فبينما تغيب الدولة وتضعف سلطتها تتسلل قوى خارجية لتملأ الفراغ وتفرض رؤاها بالقوة والمال والخطاب المسموم وهو ما يُعد كارثة وطنية تمهد لتقسيم البلاد وشرذمة أهلها.
نرفض أن تتحول السويداء إلى ساحة تصفية حسابات أو مسرح لتنفيذ مخططات لا تمت لمصلحة أهلها بأي صلة فهذه المحافظة التي كانت على الدوام عنواناً للصمود والكرامة لا يمكن أن تكون اليوم أداة بيد من يسعون لتدمير ما تبقى من سوريا، إن الدم السوري لا يمكن أن يُستباح تحت أي ذريعة وحق التعبير لا يعني الدعوة إلى القتل ولا يمكن للحرية أن تكون غطاءً للطائفية.
في ظل هذا التصعيد المتسارع يبقى التعويل الأكبر على وعي أبناء السويداء وقدرتهم التاريخية على تجاوز المحن والتمسك بالروابط الاجتماعية التي ميزت هذه المحافظة لعقود طويلة، إذ إن الاحتكام إلى العقل وتغليب صوت الحكمة على الانفعال هو الطريق الوحيد لتفادي الانزلاق نحو الفتنة التي لا تخدم إلا أعداء الداخل والخارج.
لقد أثبت أبناء السويداء في محطات عديدة أن السلم المجتمعي هو الخيار الأنجح لحماية كرامتهم وأرضهم ودمائهم وهو ما يجب الحفاظ عليه اليوم أكثر من أي وقت مضى فكل لحظة تهور قد تفتح الباب أمام صراعات لا تغلق بسهولة وكل خطوة تضامن بين مكونات المجتمع تمثل سداً منيعاً في وجه محاولات التفرقة والانقسام.
كما نؤكد على الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه المرأة السورية في هذه المرحلة الصعبة فالنساء يشكلن خط الدفاع الأول في وجه الانقسام وهن الأقدر على إنتاج خطاب مضاد للكراهية وبناء ثقافة السلام من الأسرة إلى المدرسة إلى الحي والمجتمع بأكمله بالشراكة مع الشباب يمكن للمرأة أن تكون صوت الحكمة والعقل في وجه الفوضى والصراع.
وفي نهاية الأمر لسنا بحاجة لمزيد من الدم ولسنا بحاجة لأعداء جدد ما نحتاجه اليوم هو وعي جماعي يرفض الانجرار خلف خطابات الكراهية ويؤمن أن الوطن لا يبنى بالكراهية ولا بالتحريض بل بالسلام والعدالة والعيش المشترك كفى نزفاً فلنكن جميعاً يداً واحدة في مواجهة الفتنة وصوتاً واحداً في الدفاع عن كرامة سوريا ووحدة أرضها وشعبها.
شيماء الخلف- عضوة المجلس المركزي.