يمثّل الشباب اليوم القوّة الحقيقية لأي مجتمع يسعى للنهوض من جديد، ومع تسارع التطورات التكنولوجية أصبح الاستثمار في قدرات الشباب وتوجيههم نحو استخدام الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي خطوة أساسية لإحداث تغيير حقيقي في حالة سوريا، حيث الحاجة ماسّة لإعادة الإعمار على مختلف الأصعدة، يمكن أن يكون للتكنولوجيا دور محوري ليس فقط في إعادة البناء المادي، وإنما أيضاً في إعادة بناء الإنسان وتزويده بالمهارات التي تؤهّله لقيادة المرحلة القادمة.
فلبناء سوريا حديثة ومتطورة لم يعد ممكناً الاكتفاء بالأساليب التقليدية في التعليم أو العمل، فالذكاء الاصطناعي اليوم أصبح محرّكاً أساسياً للتطور في العالم كله، ولم يعد رفاهية تخص الدول الغنية أو المتقدمة فقط، على العكس فهو أداة عملية يمكن أن تساعد في حل مشاكل حياتنا اليومية، بدءاً من تحسين التعليم وصولاً إلى تطوير الزراعة والصحة.
فإنّ تدريب الشباب على أساسيات الذكاء الاصطناعي، مثل تحليل البيانات أو تطوير تطبيقات ذكية بسيطة، يعني فتح أبواب واسعة أمامهم نحو فرص عمل جديدة، سواء من داخل سوريا أو عبر العمل عن بعد مع شركات في الخارج كما أن هذه المهارات تتيح للشباب أن يتحولوا من مستهلكين للتكنولوجيا إلى صانعين ومطورين لها وقادرين على ابتكار حلول تتناسب مع واقع بلدهم وظروفهم الخاصة التي يعيشونها.
ومع ذلك فإن الشباب قد يواجهون جملة من التحديات أبرزها محدودية الوصول إلى الجامعات أو الدورات التقليدية، خاصة في المناطق النائية أو التي تعاني من ضعف البنية التحتية، هنا يأتي دور المنصّات الرقمية التي يمكن أن تشكّل حلاً عملياً وسريعاً، فلو وجدت منصّات شبابية أو مجموعات عبر الإنترنت تقدّم ورش عمل في مجالات متعددة مثل التصميم البرمجة التسويق الرقمي وإدارة الأعمال الصغيرة، لسهّلت عليهم الوصول للمعلومات ومكّنت العديد من تلقّي التعليم واكتساب الخبرة المطلوبة لسوق العمل.
حيث أن هذه المنصّات لا تتطلّب موارد مالية ضخمة بقدر ما تحتاج إلى تنظيم وإرادة ورغبة حقيقية في التعلّم، ومع الوقت يمكن لهذه المنصّات أن تتحوّل إلى مجتمع معرفي متكامل، يجمع بين التعليم الذاتي وروح المبادرة لمساعدة الآخرين من الخبرات المكتسبة.
لذا فإن المبادرات التعليمية الحديثة لا تقتصر على المحاضرات أو النظريات، بل يمكن أن تُبنى على مشاريع عملية تلامس حياة الناس مباشرةً، فمثلاً إيجاد حلول لتوفير الكهرباء في القرى البعيدة والمجتمع الريفي وابتكار منصّات للتعليم عن بعد لمساعدة الطلاب المحرومين من المدارس، وبناء منصّات عمل حر تتيح للشباب فرصاً عالمية دون الحاجة لمغادرة بلدهم.
هذه المبادرات لا تنمّي فقط مهارات تقنية، بل تغرس في الشباب روح التعاون الابتكار والعمل الجماعي، والأهم أنها تمنحهم ثقة بأنهم قادرون على ابتكار حلول بأيديهم لمشاكل مجتمعهم.
فإعادة إعمار سوريا لا تعني فقط إعادة بناء الحجر والطرقات، بل هي فرصة لبناء مجتمع متجدّد، يتماشى مع معايير العصر الرقمي يمكن تخيّل سوريا جديدة فيها أنظمة ذكية لإدارة الكهرباء والمياه، ومستشفيات تعتمد على الحلول الرقمية لتقديم الخدمات الصحية، ومنصّات تعليمية متاحة لكل طفل وشاب في أي مكان.
استخدام التكنولوجيا في إعادة الإعمار يقلّل التكاليف ويُسرّع الإنجاز، ويمنح البلاد فرصة للقفز مباشرة نحو المستقبل، بدلاً من إعادة تكرار تجارب قديمة بطيئة ومكلفة، وهنا يأتي دور الشباب المدربين والمؤهّلين ليكونوا هم الجسر الذي ينقل سوريا إلى هذا المستوى.
وإذا ما تم الاستثمار بجدية في تدريب الشباب، وإنشاء منصّات تعليمية رقمية، وإطلاق مبادرات عملية، فإن النتائج ستكون واقعية وملموسة، وسيكتسب الشباب من خلالها مهارات متقدمة تجعلهم قادرين على المنافسة في سوق العمل العالمي، سواء عبر مشاريع داخلية أو فرص عمل رقمية خارجية، كما ستنخفض نسب البطالة بشكل ملحوظ مع ظهور مجالات عمل جديدة مرتبطة بالتكنولوجيا.
إضافة إلى بناء مجتمع معرفي قوي، قائم على التعاون وتبادل الخبرات، يكون فيه التعليم متاحاً للجميع بلا استثناء. ومع وجود وتوفّر هذه الفرص، سيزداد اهتمام المستثمرين والداعمين الدوليين، ما يفتح الباب أمام مشاريع يقودها الشباب أنفسهم، تعزّز الاقتصاد وتدفع البلاد نحو مستقبل مزدهر .
لذا فإن الطريق نحو إعادة بناء سوريا لا يقتصر على إعادة الحجارة المهدمة، بل يبدأ من بناء العقول وتمكين الشباب عبر التدريب على تكنولوجيا العصر الحديث، وإنشاء منصّات تعليمية شبابية، وإطلاق مبادرات عملية يمكن أن يصبح الشباب المحرّك الرئيسي فيها لنهضة جديدة، فالتكنولوجيا ليست مجرّد أداة، بل هي فرصة لإعادة صياغة المستقبل، والشباب هم المفتاح لاغتنامها.
سارة حسن- عضوة قيادة فرع طرطوس لحزب الوطن السوري.