يمثّل اتفاق 10 آذار بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين دمشق والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على أسس جديدة غير أن تعثّر إنجازه لا يمكن النظر إليه باعتباره مجرّد فشل تفاوضي بل كمنعطف يحمل في طيّاته مخاطر جِدّية على بنية الدولة السورية ومستقبلها، فغياب الاتفاق يضع القيادة في دمشق أمام مأزق شرعيّة داخلي وخارجي، داخليّاً يترسّخ شعور قطاعات واسعة من السوريين بأن السلطة المركزية عاجزة عن تمثيل جميع المكوّنات، وهو ما يضعف ثقتهم بها، ويزيد من شعور التهميش أما خارجياً، فإن هذا الفشل سيُقرأ على أنه مؤشّر على هشاشة الدولة وعجزها عن توحيد أطرافها، ما يضعف موقفها التفاوضي في المحافل الدولية ويجعل التعامل معها أكثر تحفّظاً
إلى جانب ذلك يحمل غياب الاتفاق خطورة خاصّة على العلاقة الكردية – العربية في الشمال الشرقي، ففي حين كان الاتفاق مؤهّلاً ليؤسّس لإطار وطني جامع يبدّد المخاوف المتبادلة ويوفّر ضمانات سياسية، فإن غيابه يترك العلاقات محكومة بموازين القوّة الميدانية وبالتدخّلات الخارجية، وهو ما يفتح المجال لتحويل أي نزاع محلي أو اقتصادي إلى أزمة أوسع ذات طابع قومي أو عشائري، هذا التوتّر المحتمل لن يبقى محصوراً في الجغرافيا الشمالية، بل ينعكس أيضاً على مناطق أخرى مثل السويداء والساحل، حيث تواجه دمشق أصلاً تصاعداً في المطالب المحلية والاحتجاجات الشعبية ومشهد العجز عن التفاهم مع مكوّن رئيسي مثل الإدارة الذاتية سيقرأ هناك كدليل إضافي على فشل السلطة المركزية في تقديم حلول واقعية، وهو ما قد يشجّع الحركات الاحتجاجية على المضي أبعد في خطابها ويضاعف الانقسام الوطني
وتتعدّى المخاطر الجانب السياسي والاجتماعي لتصل إلى البعد الأمني فغياب التفاهم يزيد احتمالية عودة التوتّر العسكري، ويمنح التنظيمات المتطرّفة مثل داعش هامشاً أوسع لإعادة تنظيم صفوفها واستثمار أي فراغ أمني أما تركيا، فهي ستجد في هذا الفشل ذريعة لتبرير تدخّلات عسكرية جديدة في الشمال، وهو ما يضيف عاملاً إضافياً لعدم الاستقرار، وإلى جانب التهديدات الأمنية، ثمّة مخاطر اقتصادية واجتماعية لا تقل خطورة إذ سيظل النفط والقمح والمياه أدوات صراع بدل أن تتحوّل إلى عناصر بناء مشترك، وسيؤدّي غياب أي آلية لتقاسم الموارد إلى تعميق الانقسام الاقتصادي كما أن احتمالية تشديد القيود على المعابر وحرية الحركة ستزيد من معاناة السكان وتفاقم الأزمات الإنسانية، الأمر الذي يولد مزيداً من فقدان الثقة المجتمعية، ويغذّي الشعور باليأس من إمكانية التوصّل إلى حل سياسي شامل
أما بالنسبة للإدارة الذاتية، فإن غياب الاتفاق يعني استمرارها في حالة من “اللاشرعية” السياسية والدستورية، الأمر الذي يعرقل أي مسار للتنمية أو إعادة الإعمار أو الانفتاح الدولي وتبقى المنطقة في موقع هش، محاصرة بين الضغوط العسكرية التركية من جهة والضغوط السياسية من دمشق من جهة ثانية، في ظل تردّد المجتمع الدولي في تقديم اعتراف أو دعم مستدام
في المحصّلة، فإن فشل اتفاق 10 آذار ليس مجرّد إخفاق في جولة تفاوضية، بل خسارة لفرصة تاريخية لتأسيس عقد اجتماعي–سياسي جديد يفتح الباب أمام إعادة بناء سوريا على أسس تعدّدية جامعة، إن تداعيات هذا الفشل تشمل إضعاف شرعية السلطة المركزية داخلياً وخارجياً، وزيادة احتمالات التوتّر الكردي–العربي، وتضاعف التحديات في مناطق مثل السويداء والساحل، فضلاً عن تهديد الأمن الداخلي بعودة التنظيمات المتطرّفة وتصاعد التدخلات الإقليمية، وإبقاء شمال وشرق سوريا في حالة فراغ سياسي وقانوني يعيق أي تقدّم فعلي، وبكلمات أخرى كان الاتفاق بمثابة جسر إنقاذ وطني، وفشله يجعل البلاد أكثر عرضة للتفتّت ويؤخّر مسار بناء سوريا قادرة على مواجهة تحدّيات الداخل والخارج.
عبد القادر الموحد – رئيس مكتب الدراسات في حزب الوطن السوري