إحدى أبرز التحديات التي يواجهها الفكر التنويري في المجتمعات العربية هي أن من يتولى نشر هذا الفكر غالباً لا يمتلك الأسس الفكرية العميقة، مما يؤدي إلى نتائج عكسية، فالإعلام الذي من المفترض أن يكون أداة لتوجيه الرأي العام نحو الوعي والتغيير، يفتقر أحياناً إلى الموضوعية ويُستخدم للتأثير في العواطف بدلاً من العقل، وهذا الأمر يُحوّل الإعلام من مصدر للتنوير إلى أداة للرفض والتشدد.
المشكلة تكمن في أن شعوب العالم الثالث، ومنها المجتمعات العربية، تميل إلى الحكم على الأفكار بناءً على مصدرها، وليس محتواها إذا كان المصدر مكروهاً، تُرفض الفكرة حتى لو كانت صحيحة، والعكس صحيح، فمثلاً إذا كان الإعلام الذي تكرهه فئة معينة يطرح فكرة تنويرية مثل الدعوة إلى التسامح مع الآخر، فإن هذه الفئة قد تتشدّد أكثر في مواقفها وتُقابل هذه الدعوة بردود فعل معاكسة، بذلك يصبح نقد الأفكار بناءً على مصدرها، مما يُعزز ثقافة الانقسام والتطرف.
هذه الديناميكية تساهم في تفشّي خطاب الكراهية، حيث يُنظر إلى كل فكرة على أنها جزء من أجندة طرف معين، ولا يُنظر إليها باعتبارها فكرة ذات قيمة منفصلة، وهذه النزعة تؤدّي إلى تزايد الانقسامات بين فئات المجتمع، كما تزيد من الاحتقان والصراعات الداخلية. لذلك الإعلام بدلاً من أن يكون أداة للتوعية يتحوّل إلى ساحة لنشر التوتر الاجتماعي والتشدد، ويُصبح عاملاً مساعداً في تعميق الهوّة بين أطياف المجتمع.
والحلول لتجاوز هذه الإشكالية، يجب العمل على تعزيز الفكر النقدي والاستقلالية في التفكير، الإعلام يجب أن يُصبح أداة تهدف إلى نشر التنوير بموضوعية، بعيداً عن التأثيرات العاطفية أو الأيديولوجية التي تزيد من الانقسام، ينبغي أن يتوقّف الناس عن الحكم على الأفكار بناءً على من يطرحها، وأن يتعلّموا الفصل بين الفكرة ومصدرها.
نجد أنه في سوريا الحديثة من الضروري أن يتم تطوير قانون إعلامي حضاري يتماشى مع تطلعات المجتمع، ويسهم في تحسين البيئة الإعلامية، وهذا القانون يجب أن يضمن استقلالية الإعلام، ويعزّز من حرية التعبير والمعلومات، بحيث يُصبح الإعلام أداة حقيقية لبناء وعي اجتماعي عميق.
إعلام محايد وموضوعي يمكنه أن يسهم في نشر أفكار نقدية، بدلاً من أن يكون مصدراً للتحريض أو نشر الكراهية، من المهم أن يُشترع قانون إعلامي يحمي حرية التعبير من جهة، وفي نفس الوقت يُحارب خطاب الكراهية والتحريض من جهة أخرى، في حال وجود تشريعات تمنح الإعلام استقلالية حقيقية، سيكون من الممكن تعزيز دور الإعلام كأداة بنّاءة وفاعلة في المجتمع السوري،
إن الإعلام الذي يُمنح حرية ومسؤولية حقيقية يمكنه أن يُساهم في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والسياسية بشكل دقيق وعقلاني، إذا تم تبنّي هذا القانون، سيكون لدينا إعلام يعكس تطلعات المجتمع السوري، ويُسهم في بناء بيئة أكثر تقبلاً وتسامحاً.
راما حسين – رئيسة فرع طرطوس لحزب الوطن السوري.