تتطلب المرحلة الانتقالية في سورية قراءة عميقة في جوهر الصراع وطبيعة التوازنات السياسية والاقتصادية، بما يتجاوز الشعارات العامة أو الحلول الشكلية، نحو طرح جذري يستند إلى الواقع ويستشرف المستقبل، ففي الوقت الذي تُطرح فيه مشاريع تسوية من قِبل قوى إقليمية ودولية، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الحل الوطني السوري من منطلق الإرادة الشعبية والسيادة الكاملة.
انطلاقاً من ذلك، يؤكد عضو المكتب السياسي في حزب الوطن السوري، الرفيق عبد القادر الموحد على أن جوهر القضية السورية لا يمكن فصله عن المشروع الوطني التحرري، ويرى أن أيّة مرحلة انتقالية لا تنبع من الداخل وتُبنى على أسس تحررية ستكون استمراراً للاحتلال بأدوات مختلفة بالنسبة له، فإن المرحلة الانتقالية ليست مجرد عملية تفاوضية بين أطراف النزاع، بل هي صراع مفتوح بين إرادتين إرادة التبعية، وإرادة التحرر الوطني والاجتماعي.
عضو المكتب السياسي في حزب الوطن السوري، الرفيق عبد القادر الموحد
ويربط الموحد مستقبل سورية بالقطع مع مخرجات المنصّات الدولية التي جعلت من الحل السوري مادة للابتزاز الجيوسياسي، فالمرحلة الانتقالية من وجهة نظره لا تنجح إلا عندما تكون الإدارة الذاتية والمعارضة والخبرات من المجتمع المدني طرفاً في صياغتها، ويرى في المسار الديمقراطي المتجسّد في الإدارة الذاتية أساساً يُمكن البناء عليه لتجاوز المركزية والهيمنة الطائفية والقومية التي مزّقت بنية الدولة لعقود.
لكن لا يمكن الحديث عن مرحلة انتقالية من دون الإضاءة على البنية الاقتصادية التي تعاني من التهميش والنهب، الأمر الذي تناوله رئيس فرع دمشق لحزب الوطن السوري، الرفيق الدكتور إيهاب اسمندر من زاوية الاقتصاد السياسي، حيث أشار إلى أن نجاح أي انتقال سياسي مرهون بوجود رؤية اقتصادية واضحة، تُعيد توزيع الثروة وتكسر احتكار الدولة المركزية للقرار الاقتصادي.
رئيس فرع دمشق لحزب الوطن السوري، الرفيق الدكتور إيهاب اسمندر
يذهب اسمندر أبعد من ذلك حين يعتبر أن الاقتصاد السوري طوال العقود الماضية خضع لهيمنة نخبوية ربطت المصالح الاقتصادية بالسلطة السياسية، ما أدى إلى تشويه بنية الإنتاج وانهيار الطبقة الوسطى، ويرى أن إعادة بناء الاقتصاد الوطني تتطلّب أولاً تحرير القرار الاقتصادي من قبضة المافيات السياسية، وثانياً الاستثمار في البنى التحتية والإنتاج المحلي، مع تعزيز دور المجتمعات المحلية في رسم أولويات التنمية.
وهنا يلتقي الطرحان السياسي والاقتصادي في نقطة جوهرية: أن المرحلة الانتقالية ليست فقط انتقالاً من نظام سياسي إلى آخر، بل هي بالدرجة الأولى انتقال من بنية ذهنيّة واقتصاديّة موروثة إلى مشروع تحرّري متكامل، يعيد الاعتبار للإنسان السوري كمواطن لا كرقم في معادلة الحرب والسلام.
إن الجمع بين رؤية عبد القادر الموحد القائمة على التحرّر السياسي، ورؤية إيهاب اسمندر القائمة على التنمية والعدالة الاقتصادية، يضعنا أمام تصوّر متكامل لأسس المرحلة الانتقالية، تصور لا يمكن تحقيقه إلا بإشراك القوى الفاعلة على الأرض، وفي مقدمتها الإدارة الذاتية، والانطلاق من قاعدة اللامركزية، والاعتراف بتعدد الهويات، وتحقيق العدالة في توزيع الثروة، وإعادة الاعتبار للقيمة الإنتاجية داخل المجتمع السوري.