في ظل الأزمة السورية الممتدة منذ أكثر من عقد، أصبح الحديث عن بناء شرعية سياسية جديدة ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة وطنية لا مفرّ منها، فاليوم تعيش سوريا فراغاً شرعياً متعدد الأوجه فشرعية الحكومة باتت هشة بفعل ما تراكم من سياسات وسلوكيات وتمثيل مشوّه، وشرعية المعارضة تفكّكت بفعل الارتهان والتناحر، أما شرعيات الأمر الواقع في مناطق النفوذ الأخرى، فهي ترتكز إلى توازنات عسكرية وإقليمية لا تمت بصلة لعقد وطني جامع.
وفي هذا المشهد الممزّق، لا يمكن لأيّة جهة أن تحتكر تمثيل السوريين أو تدّعي الحديث باسمهم، دون أن تطرح مشروعاً سياسياً توافقياً يتجاوز منطق الغلبة والانتصار، ويؤسّس لمرحلة وطنية جديدة قوامها الشراكة والتمثيل العادل.
الخطوة الأولى لتجاوز هذا المأزق تبدأ بالاعتراف أن الشرعية لا تُبنى بالسلاح، ولا تُكتسب لمجرد السيطرة على الأرض أو إسقاط النظام تلك كانت لغة الثورة في بداياتها، وقد كانت مفهومة في سياقها، لكنها عاجزة اليوم عن تأسيس دولة أو عقد اجتماعي مستدام، فالشرعية المطلوبة اليوم هي تلك التي تقوم على القبول الطوعي من جميع المكونات السورية، وعلى تمثيل نابع من الإرادة الشعبية، لا من المحاصصة أو الولاءات الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، تبقى شرعية أي حكومة ناشئة – مثل حكومة أحمد الشرع – ناقصة ما لم تتحوّل إلى مشروع جامع يطمئن كافة السوريين، بمن فيهم من لم يشاركوا في الثورة أو بقوا ضمن مؤسسات الدولة، طالما لم تتلطّخ أيديهم بالدماء، الشرعية هنا لا تُقاس بالشعارات، بل بمدى الشمول، والانفتاح، والتوافق.
الاعتراضات التي تُثار اليوم على أي سلطة جديدة لا تعبّر بالضرورة عن رفض للتغيير، بل عن غياب عقد اجتماعي حقيقي، فليس من المقبول أن تدّعي جهة ما تمثيل كل السوريين، وهي لا تعكس تنوعهم السياسي والديني والقومي وأية محاولة لإعادة إنتاج المركزية والإقصاء تحت شعارات الثورة، لن تجد قبولاً شعبياً واسعاً.
قوة شرعية حكومة الشرع – أو أي حكومة بديلة – ستنبع من مدى قدرتها على فتح الأبواب لا إغلاقها، على احتضان الآخر لا تهميشه، وعلى تقديم نموذج سياسي بديل، لا مجرد استبدال وجوه بأخرى.
أما عن تشكيل مجلس انتقالي جامع، فالفرصة لا تزال قائمة، وإن كانت تضيق يوماً بعد آخر. إن هذا المجلس يجب أن يكون بداية لمرحلة انتقال سياسي حقيقي، لا استمراراً لمعارك الماضي ينبغي أن يضم ممثلين عن القوى الفعلية من دمشق إلى “قسد”، إلى المعارضة والمجتمع المدني، والكفاءات الوطنية في الداخل والخارج.
هذا المجلس يجب ألا يكون منصة لتقاسم النفوذ، بل ركيزة لبناء وطن جديد يجب أن يكون مؤقتاً، بصلاحيات واضحة، ومهمتة بوضع دستور انتقالي، وإطلاق حوار وطني شامل، والإعداد لانتخابات نزيهة تحت إشراف أممي محدود.
إن نجاح هذه الخطوة مرهون بوجود إرادة سورية داخلية جادة، وبضمانات إقليمية بعدم تخريب المسار، خاصة من القوى التي طالما استثمرت في الصراع السوري لصالح مصالحها.
خلاصة القول:
لا شرعية بدون شراكة،
ولا استقرار بدون تمثيل،
ولا وطن بدون الجميع.
عبدالقادر الموحد
عضو المكتب السياسي – المستشار العام لحزب الوطن السوري