يشهد العالم اليوم تحوّلات جذرية في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، حيث لم يعد النفط وحده الركيزة الأساسية التي تدور حولها المصالح الكبرى، بل أصبح جزءاً من مشهد معقّد تتقاطع فيه الجغرافيا بالثروات، وتسهم القوى المهيمنة في رسم خرائط جديدة للنفوذ والتأثير.
هذه القوى لا تكتفي بالسيطرة على الموارد وإنما تتدخّل في صوغ السياسات وفرض الإملاءات والتحكّم بمسارات الدول الضعيفة مستغلة هشاشتها السياسية والاجتماعية، وهنا يظهر حجم الخلل الذي تعانيه العديد من البلدان التي تركت الأولويات الحقيقية وتبعت أصحاب القرار بحثاً عن حلول سريعة دون النظر إلى عمق المشكلات.
إن الشعب والأرض هما جوهر أي دولة ولا يمكن لأي سياسة أو اقتصاد أن يستقيم دون احترام هذا الجوهر، فبينما تنشغل الحكومات في سباق النفوذ غالباً ما يكون المواطن الضحية الأولى في هذه المعادلات، حيث تُستنزف موارده ويُهمّش صوته في ظل صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، وفي المقابل فإن السياسة رغم ما تحمله من تعقيدات يمكن أن تتحول إلى محرّك حقيقي للتنمية الاقتصادية إذا ما استُخدمت بذكاء وعدالة.
غير أن هذه الإمكانية تصطدم بواقع آخر تعاني فيه الدولة من ضعف شديد في البنية السياسية، مما ينعكس مباشرة على فرص النمو، فالتعليم في تراجع والثقافة المجتمعية في أزمة، وقضايا السلام والعدالة لم تعد أولوية وسط سياسات تتعامل مع الفرد كمجرد رقم وليس كفاعل في مسار التنمية، وما يحصل في السويداء اليوم ليس سوى انعكاس لحالة عامة من الاحتقان سبقتها أحداث مشابهة في الساحل وغيره، وهي كلها نتيجة تراكمات طويلة من الإهمال وسوء الإدارة.
السؤال الحقيقي الذي ينبغي طرحه لا يتعلق بمن يملك الحق في الأرض فقط، بل بكيفية تحويل هذا الحق إلى مشروع وطني جامع يجمع بين الحرية والعدالة والتماسك المجتمعي، لا يمكن لأي دولة أن تتعافى من آثار الحرب والديون والتدمير دون مشروع وطني جامع يستند إلى المصالحة المجتمعية والتوزيع العادل للثروات ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والتدهور، وإن كانت البلاد لا تزال في طور التعافي فإن هذا لا يعفينا من المساهمة في البناء وإعادة التأسيس.
إن ما تحتاجه البلاد اليوم ليس مجرد خطط اقتصادية، بل رؤية سياسية شاملة تعترف بحق الجميع في المشاركة والتمثيل وتحقيق العدالة بين كافة الفئات من دون تمييز، كما أن تجاوز الجهل والبطالة لا يمكن أن يتحقق دون إرادة سياسية حقيقية تؤمن بأن الإنسان هو أساس التنمية، وأن إعادة بناء الدولة لا تكتمل دون تحرير المواطن من الخوف والتبعية.
ويبقى الاستغلال السياسي للاقتصاد ولحياة الأفراد هو أخطر ما يمكن أن تواجهه أي أمة، لأن نتائجه لا تقف عند حدود الفقر أو العجز بل تمتد لتفكيك النسيج المجتمعي برمّته، وإذا أردنا فعلاً النهوض فعلينا أن نعيد الاعتبار للإنسان وللحق العام، وأن نبني على أساس التشاركية لا الإقصاء، وعلى أسس العدالة لا المحسوبيات، وبهذا فقط نستطيع حماية الأرض والكرامة في آن واحد.
فاطمة الفرج- عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري