لطالما كانت المرأة في قلب النزاعات لا بوصفها طرفا فيها بل بوصفها وقودا لحروب لا تشعلها ولكنها تدفع أثمانها كاملة، فلطالما كانت المرأة في الصفوف الخلفية لكنها تتصدر الآلام والمعاناة وحين يتعلق الأمر بإعادة البناء وصياغة الأمل تاخذ المرأة ريادتها في القيادة، فهي التي تهدم بيوتها ويقتل أحبابها وتقتلع من أرضها ثم يطلب منها أن تعيد ترميم ما تهدم وأن تواصل الحياة، فكيف أصبحت المرأة المتضرر الأول من النزاعات؟ وكيف حولت هذا الألم إلى مصدر قوة ومنطلق للفعل؟
في أغلب النزاعات حول العالم لا تمنح المرأة القرار في إشعال الحروب لكن آثار هذه الحروب تترك بصمتها العميقة على جسدها وواقعها اليومي، حيث أن النساء يشكلن النسبة الأكبر من النازحين واللاجئين ويتحملن أعباء الحياة في غياب الشركاء ويواجهن العنف بأشكاله كافة من بينها الجسدي والاقتصادي والمعنوي، فالحروب لا تكتفي بتدمير البنية التحتية بل تتسلل إلى داخل الأسرة وتربك الأدوار وتحمل المرأة فوق طاقتها مسؤوليات لم تهيأ لها مجتمعاتها.
لكن ما لم تحسب له الحروب حسابا هو قدرة النساء على المقاومة لا بالرصاص بل بإعادة نسج المجتمع من خيوط مقطعة، وفي هذا السياق برزت تجارب نسائية ملهمة تجاوزت حدود البقاء إلى حدود القيادة والتغيير، وإحدى أكثر هذه النماذج قوة هي تجربة نساء شمال وشرق سوريا حيث لم تكتف النساء بالصمود بل تقدمن لقيادة العمل السياسي والعسكري والإداري وشاركن في صياغة نموذج مجتمعي قائم على المساواة، والمرأة في تلك المناطق لم تكن مجرد ضحية للدمار بل شريكا فعليا في بناء بديل مدني تعددي يضع العدالة الجندرية في صلب المشروع.
ففي تلك الرقعة من سوريا قادت النساء المؤسسات شاركن في سن القوانين أنشأن المجالس حملن السلاح دفاعا عن أرضهن وأسسن مناهج تعليمية جديدة، وقد أثبتت هذه التجربة أن مشاركة المرأة في القرار ليست ترفا أو خيارا بل ضرورة لبناء سلام حقيقي لا يقصي نصف المجتمع.
وهذه النماذج الحية تؤكد أن المرأة ليست فقط القادرة على تجاوز المحن بل أيضا الأجدر على رسم مستقبل مختلف، وما يميز الدور النسائي في مرحلة ما بعد النزاع هو تطلعه إلى العدالة لا إلى الانتقام إلى السلام لا إلى الهيمنة، فالنساء اللواتي ذقن مرارة الحرب لا يسعين إلى تقسيم الغنائم بل إلى استعادة الإنسان.
لقد تحولت المرأة من ضحية صامتة إلى صوت مقاوم ومن وقود لحرب الآخرين إلى حجر الأساس في بناء السلام، وهذا التحول لم يكن سهلا بل جاء نتيجة نضال طويل وتحد للعوائق الثقافية والسياسية والاجتماعية، واليوم لا يمكن الحديث عن سلام حقيقي دون حضور المرأة ولا يمكن ضمان مستقبل آمن دون الاعتراف بدورها كصاحبة حل لا كحاملة للعبء فقط. المرأة ليست ظلا للحرب بل شمسا تضيء طريق السلام القادم.
بتول محمد- رئيسة مكتب الشباب لحزب الوطن السوري.