في المشهد السوري المعقد وسط الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالبلاد على مدى سنوات تتقدم المرأة السورية كرمز للصلابة والقدرة على تجاوز المحن حاملة في ملامحها آثار الألم وفي عينيها بريق الإصرار فهي لم تكن في يوم من الأيام على هامش الحياة الوطنية بل لطالما كانت ركيزة أساسية في تشكيل النسيج المجتمعي السوري وفي تحمل تبعات التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومع كل منعطف صعب تمر به البلاد تزداد هذه المرأة حضورا لا ينكر ووعيا لا يستهان به وإرادة تنبض برغبة حقيقية في التغيير.
المرأة السورية اليوم لا تبحث عن استنساخ نماذج جاهزة أو شعارات مستوردة بل تنشد نسوية نابعة من صلب تجربتها من عمق معاناتها ومن تفاصيل يومها المثقل بالتحديات هي لا تخوض صراعا ضد الرجل أو المجتمع بل تسعى إلى انتزاع مكانتها كشريكة حقيقية في الوطن وكعنصر فاعل في جميع ميادين الحياة النسوية التي تطمح إليها ليست معزولة عن الواقع ولا تقوم على صدام مع الموروث الثقافي بل تحاول أن تعيد تعريف هذا الموروث بما ينسجم مع القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية فهذه المرأة التي عاشت تحت القصف وتحملت أعباء النزوح وقاومت الفقر والتهميش لا يمكن حصر تطلعاتها في مفاهيم ضيقة أو مقتبسة بل هي في حاجة إلى مساحات أوسع من الحرية والتمكين.
في قلب هذه الرؤية تتبلور الحاجة إلى مشروع وطني حقيقي يعترف بالمرأة كمواطنة كاملة ويمكنها من المساهمة في صياغة السياسات العامة وفي اتخاذ القرار وفي قيادة المؤسسات دون أن يفرض عليها قوالب جاهزة لدورها أو وجودها غير أن هذه الطموحات لا يمكن أن تتحقق في ظل استمرار التحيز الاجتماعي والتشريعي الذي يقيد المرأة ويمنعها من بلوغ كامل طاقاتها فالمجتمع الذي لا يعترف بإنسانية المرأة وبحقها في تقرير مصيرها هو مجتمع يحكم على نصفه بالتغييب وعلى مستقبله بالبقاء في دائرة الركود.
إن بناء وعي المرأة السورية يتطلب أن نعيد التفكير في أساليب التنشئة الاجتماعية وفي مضامين التعليم وفي الخطاب الثقافي السائد بما يضمن تفكيك الصور النمطية التي ما زالت تكرس دونية المرأة أو تحصرها في أدوار تقليدية هذا البناء لا يمكن أن يتم من دون جهود حثيثة تبذل على مستويات متداخلة ثقافية قانونية اقتصادية وسياسية تعزز من حضور المرأة في الفضاء العام وتكفل لها أدوات التأثير الفعلي في مجريات الأحداث فتمكين المرأة ليس امتيازا يمنح بل هو نتيجة حتمية لوعي يتشكل بالتراكم ولنضال طويل يتطلب الثبات والصبر والإيمان بجدوى الفعل.
المرأة السورية في هذا السياق ليست ضحية بل فاعلة ليست عالة بل ضرورة وجودها المتقدم في ساحات العمل الأهلي وفي المبادرات المجتمعية وفي مواقع الإنتاج وفي الحقول التربوية والإعلامية هو تأكيد على أنها قادرة على أن تكون شريكا رئيسيا في بناء سوريا الجديدة النسوية المنشودة هي في جوهرها دعوة للكرامة للعدالة وللحرية وهي في الآن ذاته دعوة لتجاوز النظرة التبسيطية إلى قضايا النساء والتعامل معها كمسألة مصيرية تمس بنية الوطن ومستقبله.
من هنا تبدو مسؤولية الجميع مؤسسات وأفرادا في الدفع نحو هذا الأفق المفتوح على التغيير فحين تنال المرأة السورية حقها الكامل في الحضور والمشاركة والقرار يكون الوطن قد خطا خطوة جوهرية نحو الاستقرار والنهوض هذه النسوية ليست خيارا نخبويا ولا ترفا فكريا بل هي مسار حتمي نحو وطن أكثر عدلا وإنصافا وإنسانية.
راية عليوي – رئيسة مكتب المرأة في حزب الوطن السوري