في مجتمعات تشكلت ملامحها على إيقاع الموروث والتقاليد لطالما وجدت المرأة نفسها أسيرة لصورة نمطية رسمتها العادات وصاغتها أيدي الأجيال المتعاقبة كقيد لا يرى لكنه أثقل من الحديد.
ولأن الواقع لا يرحم الحالمين، وجدت المرأة أن عليها أن تختار إما الانصهار في قالب المجتمع، أو مجابهة التيار بحثا عن ذاتها الحقيقية.
منذ بزوغ الوعي الإنساني، تداخلت علاقة المرأة بالعادات مع فكرة الدور المحدد دور محصور في جدران البيت مرسوم بخطوط الطاعة والإنكار ، وكأن الأنوثة نفسها صارت ذنبا يستوجب التكفير عنه بالخضوع.
ومع مرور الزمن تحولت تلك الأطر إلى قوانين غير مكتوبة تحكمها سلطة ” ما يجب ” وما لا يجوز ” وتغلفها قداسة زائفة تمنح العادات قوة القانون وسلطان العقيدة.
لكن المرأة بحكمتها العنيدة وصبرها الذي يفوق الوصف ، لم تركن لهذا الأسر الأبدي صارت العادات بالنسبة لها خصما في معركة طويلة والنضال السياسي أحد ميادين هذه المعركة.
فمن رحم المعاناة تولد الإرادة، ومن بين شقوق القهر تتسرب أحلام الحرية، هكذا بدأت المرأة تتقدم، تقتحم الحقل السياسي تفرض حضورها في الحياة السياسية، وفي ساحات الفكر وصناعة القرار.
إن النضال السياسي للمرأة في حقيقته لم يكن صراعا مع الرجل بقدر ماهو ثورة على منظومة فكرية تحصر الكفاءة في حدود النوع وتتناسى بأن الأوطان لا تنهض إلا عندما يتحرر نصفها المقيد.
السياسة كانت ولا تزال مرآة للمجتمع، وأي غياب للمرأة فيها لا يعكس إلا غياب العدالة وتكلس الفكر.
ومع كل انتصار صغير تحققه المرأة في هذا الميدان تهتز أعمدة العادات، وتتشقق جدران الصمت التي طالما أخفت خلفها أصوات النساء.
لكن المعركة لم تنته فالعادات لا تموت بسهولة بل تتخفى أحياناً تحت مسميات الحداثة وتتنكر بأقنعة تحفظ مظهر التقدم وتخفي جوهر التمييز.
اليوم في ظل عالم متغير وسريع لم تعد المرأة تطالب بمجرد حق التمثيل السياسي، بل تسعى لتكون صانعة للتغيير ، ومهندسة لرؤية جديدة، حيث لا يكون النضال مجرد رد الفعل بل فعلا تأسيسيا لمجتمع يحترم الإنسان لكونه إنسانا، لا لصفته البيولوجية أو موقعه في تراتبية العادات.
إن ما تعانيه المرأة بين نير العادات ولهيب النضال السياسي، ليس سوى معركة للكرامة، معركة تستحق الاحترام والتضامن، لأنها معركة من أجل الحياة ذاتها.
الدكتورة رندة العجيلي عضو المجلس المركزي لحزب الوطن السوري