يعد مؤتمر الحوار الوطني محطة مفصلية في أي مسار سياسي يسعى لتحقيق التفاهم بين مختلف المكونات السياسية والمجتمعية غير أن نجاح مثل هذه المؤتمرات يعتمد بدرجة كبيرة على حسن التحضير والاختيار المدروس للأماكن والمشاركين ، وقد تم ارتكاب خطأ فادح فيما يتعلق باختيار دمشق بدلا من الجزيرة واعتماد سياسة إقصاء واضحة تجاه العديد من النخب السياسية والثقافية في منطقة الجزيرة
فلعقد اللقاء في الجزيرة بعدا رمزيا وسياسيا لأن الجزيرة تمثل رمزا للتنوع الثقافي والعرقي في البلاد حيث يتعايش العرب والكرد والسريان وغيرهم
كان اختيار الجزيرة السورية سيحمل رسالة قوية عن التعددية والتسامح ، ويؤكد على أهمية إشراك كل المناطق والمكونات في الحوار.
اختيار دمشق للقاء أبناء الجزيرة بدلا من الجزيرة عكس استمرارية النهج المركزي وتجاهل الأطراف ، ما أشعر سكان الجزيرة بالتهميش ، كما أن عقد اللقاء في دمشق بدلا من الجزيرة السورية أدى إلى نوع من الإقصاء الجغرافي وهو ما يتعارض مع جوهر فكرة الحوار الوطني القائم على إشراك الجميع.
كما يعد إقصاء الكثير من النخب السياسية والثقافية ومن مختلف مكونات المنطقة أمر غير مبرر حيث أثار التساؤلات حول مدى جدية المؤتمر في تمثيل كل الأطراف ، كما شكل غياب الكثير من الشخصيات البارزة والمؤثرة في الجزيرة السورية فقدانا لشرعية المؤتمر التمثيلية ، لأن الحوار الوطني يستلزم مشاركة الجميع لاسيما الأصوات المختلفة التي تعكس التنوع الحقيقي في البلاد
كما يمكن القول بأن هذه الخطوة لم تخلق فقط شعورا بالظلم لدى النخب المستبعدة بل ساهمت أيضاً في تعميق الفجوة بين المركز والمناطق التي عانت من التهميش الممنهج أبان حكم النظام البائد ، في الوقت الذي كانت مكونات الجزيرة تتطلع لرأب الصدع ونهاية مرحلة الإقصاء والتهميش .
فاستمرار النهج المركزي يعيد إنتاج نفس الأخطاء السياسية التي أوصلت البلاد إلى الأزمات والانقسامات بدلا من بناء جسور للتواصل.
إن نجاح أي مؤتمر للحوار الوطني يتطلب الشفافية والشمول ، والتخلي عن السياسة الإقصائية ، حيث كان من الممكن لمؤتمر الحوار أن يكون فرصة ذهبية لتعزيز التفاهم الوطني ، والمستقبل يتطلب إعادة التفكير في طرق التحضير وإدارة الحوار وإعطاء الجزيرة حقها الكامل في التمثيل والمشاركة في صنع القرار الوطني.
بقلم الدكتور: محمد درويش الناطق الرسمي باسم حزب الوطن السوري