استوقفني في مطلع مقالي هذا ما قاله الزعيم الهندي وملهم الثورة الهندية المهاتما غاندي أن “الوطنية لا تعني كراهية الآخرين، بل تعني حب الوطن بشكل يدفعك إلى خدمة الإنسانية.”، وبالنظر بتجرد لما يسعى إليه السوريون الديمقراطيون في الداخل وحول العالم والغير مرتهنين للإملاءات الخارجية، يكاد لا يخرج عن هذا السياق وأن تغيرت الظروف الزمانية والمكانية بين ما عاشته شعوب العالم الاخرى وما يعيشه السوريون اليوم.
انطلق مؤتمر “المسار الديمقراطي السوري” في بروكسل واجتمع السوريون على مائدة سياسية مفتوحة الأفق والطرح بعيدا عن الإملاءات الخارجية والتوجهات الفئوية ” دينياً وقومياً” بل كان مؤتمر يسعى لإحداث منفذ مهما كان حجمه في الجدار السميك الذي بنته المصالح الدوليةو الأطماع الخارجية وتأكيدا على أن مفاتيح الحل في جعبة السوريين ، السوريين وحدهم السوريين الوطنيين الديمقراطيين الذين لم ولن يقبلوا الارتهان للخارج والاستجداء في عواصم الولاءات ،لقد كان المؤتمر مساراً مفتوحاً أمام كل الأطياف والتوجهات والمكونات السورية.
فمنذ أن أُدخلت سوريا في نفق الصراع المسلح والعنف المفرط بعد عام ٢٠١١ وما لحق بها من هيمنة التنظيمات الراديكالية، لم يعد للسوريين الديمقراطيين صوتٌ يُسمع لأن لا صوت يعلو على صوت البندقية والمدفع وصرخات المعتقلين في أقبية الفروع الأمنية، لأن الديمقراطيين لم يقبلوا الارتهان والارتزاق وإقصاء الآخر، بل تشبثوا بكل ما أوتيوا من قوة بكل المبادئ الوطنية والديمقراطية حتى تمر العاصفة التي أغمضت عيون السوريين وأفقدتهم بوصلة الحل.
أما وقد أنقشع غبار المصالح وفتح السوريون عيونهم على بلدٍ مدمرٍ نازفٍ مقسمٍ عمودياً وأفقياً على أسس عرقية وولائية تنهشه المصالح الاقليمية والدولية أنهكت السنوات قوى السوريين وأثقلت كاهلهم بتمزيق وطنهم، عاد الديمقراطيون ليرموا دلوهم في بئر المعاناة السورية على أمل أن ينتشلوا ما أمكنهم انتشاله وينقذوا ما أمكنهم إنقاذه وأن يضمدوا جراح السوريين النازفة واتخذوا خطوة كان لا بد من اتخاذها وعقدوا مؤتمرهم الأول للمسار الديمقراطي السوري ليكن بصيص أمل يلوح في نهاية نفقٍ مظلم والذي من الممكن البناء عليه مستقبلاً ليلتقي عليه السوريون كل السوريين.
لكن بطبيعة الحال لا تسلم الشجرة المثمرة من حجارة العابثين الذين لا يمكنهم قول الحق لطالما أنهم مستفيدون من الباطل، وهنا بالمناسبة تستحضرني النهاية التي قضى فيها الثائر الكوبي المولود في الأرجنتين “أرنستو تشي جيفارا” عندما تم إلقاء القبض عليه من قبل القوات البوليفية حينها في مخبأه الأخير بعد وشاية من أحد رعاة الأغنام، وأعدم على إثرها، وعندما سأل أحدهم الراعي: لماذا وشيت وأنهيت حياة رجل قضى حياته في الدفاع عنكم وعن حقوقكم؟ فأجاب الراعي: كانت حروبه مع الجنود تروع أغنامي!.
يبدو لي أن أصوات الديمقراطيين التي تعالت بدأت تغض مضجع أغنام الرعاة الذين لا يريدون لظلام الباطل أن يتلاشى لتشرق شمس الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة يوماً، وعلى هذا المنوال سارت الأمور لكن لم ولن تكن يوما الوطنية التي ارتكز عليها الديمقراطيون جرماً ولم يكن مسعاهم محطة تعيبهم لأن المسار لم ينطلق إلا من دافعٍ وطني يحكمه الانتماء للوطن السوري وليس لسواه من شيء.
الخلاصة هي أن أوروبا التي غرقت بالظلم والظلمات لسنواتٍ طويلة من حكم الكنيسة القائم على الدين المتعصب وحكم أفراد مستبدين قائم على العنصرية والظلم إلا أن الأوروبيين نفضوا هذه العباءة بعد أن دفعوا أثمان باهظة، وكان مخرجهم أن فصلوا الدين عن الدولة وأن يقبل بعضهم البعض الآخر مهما اختلفت المعتقدات والتوجهات ليجمعهم تاريخ واحد وأرض واحدة بأعراق مختلفة وبنوا مستقبل قائم على المشتركات لا المتناقضات، ومن هنا نقول أن السوريين بحاجة لثورة حقيقية ثورة فكرية يحكمها العقل والمنطق لا الولاء الأعمى، لإخراج البلاد من عنق الزجاجة الخانق فقارب المصالح الضيقة غارق لا محال، ويبقى التاريخ يخط بقلمه من باع الوطن ومن دفع الغالي والنفيس ليحيا الوطن حرا كريما .
بقلم: الأمين العام لحزب الوطن السوري الرفيق ثابت الجوهر