عندما أفكر في نفسي، أجد أن هويتي متعددة. أنا امرأة، معلمة، مرشدة، منسقة، عضوة في المجتمع، مسلمة وسورية. لكن التحدي الحقيقي ليس في هذه الهويات المتعددة بل في عقبات المجتمع التي تقف في طريق المرأة. فإشكالية التاء المربوطة لم تعد مجرد مسألة نحوية، بل أصبحت تعبيرا عن قضية مجتمعية تعيق وصول المرأة إلى أهدافها المنشودة.
المرأة تواجه الكثير من المسؤوليات مثل الزواج، الأطفال، والتوفيق بين العمل والأسرة. لكن عند التدقيق في هذه التحديات، تستوقفني دراسة لعالم التربية والفلسفة الألماني يوهان فريدريش هربارت، التي تظهر أن أكثر من 50% من الرجال يفاوضون على أول راتب لهم، بينما النساء غالبًا ما يقبلن بالراتب المقدم دون نقاش، رغم تساوي الكفاءات. هنا يبدأ التمييز، ويظهر السبب الذي يجعل المرأة، رغم تحقيقها أعلى الدرجات العلمية وأفضل التدريبات، أقل ظهورا في ميادين العمل مقارنة بالرجل.
السؤال المطروح هنا: لماذا تتوقف المرأة عن التقدم رغم هذا الإنجاز؟ الجواب الشائع هو تحميل المجتمع المسؤولية. النساء غالبًا ما يعتبرن المجتمع هو السبب في الفشل وخيبة الأمل، باعتباره مجتمعا لا يرحم وغير داعم. ولكن، هل هذا صحيح؟
الحقيقة أن الفشل لا يعود إلى المجتمع فقط. المرأة كثيرا ما تقارن نفسها بالرجل وتضع نفسها تحت ضغط مستمر لتكون مثله، فتسقط في النهاية وتلقي باللوم على المجتمع.
من المهم أن نفهم كيف تتشكل العادات في المجتمع وكيف يمكن تغييرها. العادة هي روتين يقوم به الدماغ بشكل تلقائي دون مجهود يُذكر، مثل شرب القهوة في الصباح أو إدخال كلمة سر للهاتف. العادة تتشكل بالتكرار، ومع مرور الوقت تصبح جزءا من سلوكنا اليومي. إذا أرادت المرأة تغيير واقعها، فعليها أولاً أن تكسر هذه العادات المتجذرة.
على سبيل المثال، عندما يقود رجل سيارته ويرى امرأة تقود لأول مرة، قد يُطلق “الزمور” كنوع من التنمر أو الاستفزاز. إذا ردت المرأة بالمثل أو تجاهلت الأمر، فقد تكون كسرت هذه العادة الاجتماعية.
وهنا يتوجب على المرأة أن تسأل نفسها: هل هي السبب في تكريس هذه العادات؟ أم المجتمع؟ بالتأكيد، مع فهم طبيعة العادات، يمكن للمرأة أن تتحمل جزءًا من المسؤولية لأنها رضخت للأحكام المسبقة دون محاولة التغيير. إذا واجهت المرأة المشكلات بإيجاد الحلول بدلاً من لوم المجتمع أو الانسحاب، لكان الوضع مختلفا تماما.
في النهاية، علينا أن نتذكر أن المرأة نصف المجتمع، وهي التي تنجب وتربي النصف الآخر. لا يمكننا الاستمرار في إلقاء اللوم على الرجل وحده، فالمرأة هي من قبلت بترك الدراسة أو العمل دون أن تدافع عن حقها في التعليم أو تسعى لتغيير هذه السردية المفروضة عليها.
النضال لتحقيق الحرية يبدأ من المرأة. حرية المرأة هي حرية المجتمع بأسره. بقوتها يصبح المجتمع قويًا، فأنتِ قوية وملهمة، وأنتِ أم القادة والرؤساء. فهل ستقفين مكتوفة الأيدي أمام شيء يسمى “عادة”؟
شيماء خلف عضوة المجلس المركزي