استيقظت اليوم باكراً لإنجاز بعض الأعمال الورقية، مستثمراً سكينة الصباح كما اعتدت، وكالعادة، كنت قد أغلقت هاتفي ليلاً.
عند تشغيله صباحاً، فوجئت بعشرات الرسائل تدور كلها حول سؤال واحد: ما رأيك بتمديد العقوبات الأميركية على سوريا لعامين إضافيين؟
سأجيب هنا بإيجاز، على أن أترك التصريحات التفصيلية للمؤسسات الإعلامية الوطنية والمهنية التي نكنّ لها التقدير، كصحيفة “الثورة” و”الحرية”، إضافة إلى موقعي “تفاصيل برس” و”موقعيّت”.
كنت قد تناولت هذا الموضوع سابقاً في مقالات عدة، منها:
1. “الخارطة الاقتصادية بعد أحداث السويداء”
2. “مشروع قانون العقوبات الجديد”
ومن يراجع هذه المقالات يدرك أن هذا التمديد لم يكن مفاجئاً، بل هو استمرار لنهج الضغوط الخارجية على سوريا، والذي بدأ منذ سنوات.
الحقيقة خلف العقوبات:
قانون “قيصر 2” لا يضيف جديداً قانونياً، لكنه يُعيد تكريس منظومة العقوبات وفرض الهيمنة الاقتصادية بأدوات أكثر تشدداً:
لم تُرفع العقوبات، بل تم تقديم استثناءات إنسانية محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع.
حتى الاتحاد الأوروبي ما يزال يُبقي على جزء كبير من عقوباته.
الأنباء المتداولة عن استثمارات أجنبية ما تزال أقرب للتصريحات الإعلامية من كونها خطوات تنفيذية حقيقية.
رقابة مشددة على الاقتصاد:
الخطير في التمديد الحالي هو فرض رقابة مباشرة على مفاصل الاقتصاد الوطني، من خلال:
استمرار تعطيل التحويلات البنكية العالمية (SWIFT)
تعقيد عمل القطاع المالي والمصرفي
استهداف شخصيات اقتصادية سورية عبر قوائم جديدة
الأثر السياسي:
القانون وُضع بطريقة تُعقّد أي محاولة لبناء جسور تواصل بين الداخل والخارج، حتى عبر مبادرات مدنية أو منظمات مجتمع مدني، ومن المهم التنبيه إلى أن تلك المنصات التي رُوّج لها على أنها جسر للحوار، لم تُثبت فعلياً استقلاليتها أو تأثيرها الإيجابي في تخفيف الضغوط.
الأثر الاقتصادي:
1- الاستثمار:
التمديد سيُجمد تلقائياً أي نية للاستثمار الخارجي، حتى تلك التي بدأت بمذكرات تفاهم، المخاوف من التبعات القانونية ستُبعد المستثمرين، حتى دون وجود توجيه أميركي مباشر.
2- الأسعار وسعر الصرف:
سنشهد موجة ارتفاع في أسعار السلع، لكن من المرجح أن لا يتجاوز سعر الصرف عتبة 12,000 ل.س للدولار، نتيجة:
سياسة أكثر واقعية في إدارة الصرف
مرونة في تحريك سلة العملات
انسيابية تحويل الدولار ضمن السوق المحلي
3- الأسواق والاستيراد:
مع تعقيد طرق الاستيراد، من المتوقع أن تلجأ الحكومة إلى مرونة أكبر في إدارة التجارة الخارجية، وهذا يُعد فرصة لإعادة تنظيم سوق الاستيراد بشكل يخدم الاستقرار، ويمنع الاحتكار.
لكن، لا يمكن إغفال أن بعض المتنفذين في فترات سابقة استغلوا الحصار لجني أرباح غير مشروعة، وهذا ما يجب أن لا يتكرر اليوم فالتحدي القادم هو مواجهة أي محاولة للاحتكار أو التلاعب بالسوق، ويتطلب ذلك تفعيل مديريات حماية المستهلك ووضع هوامش ربح منطقية.
الخلاصة:
قانون قيصر بنسخته الثانية يأتي في وقت يعيش فيه السوريون ظروفاً اقتصادية صعبة أصلاً وهو لا يستهدف منظومات بعينها فقط، بل يعيق أي تحسن في الواقع الاقتصادي والمعيشي.
إلا أن الحكومة المؤقتة اليوم، ومن خلال سياسات أكثر انفتاحاً وواقعية، تمتلك أدوات تخفف من آثار هذه العقوبات، لكن هذا لا يُنكر وجود تحديات كبيرة على مستوى الاستثمار والأسواق والتضخم.
الحل لا يكون بالتراخي أو التهويل، بل بتكامل الجهود، ومصارحة الشارع، وتكاتف كل القوى الوطنية والسياسية والاقتصادية في بناء استراتيجية صمود ذكية، لا شعاراتية.
الأستاذ : عامر ديب رئيس مجلس النهضة السوري