إن العلاقات بين الأحزاب والقوى السياسية تشكل العصب الحيوي لأي نظام سياسي سواء كان تعدديا ديمقراطيا أم مركزيا تقليديا ، فهي تتشكل ضمن بيئة معقدة من المصالح والتوازنات والايدولوجيات وتعبر عن ديناميات المجتمع نفسه وتطلعاته ، انقساماته وحتى تاريخه السياسي والاجتماعي
فالعلاقات الحزبية ليست مجرد مسألة تنظيمية أو تحالفات وقتية تعقد وتحل وفق مسائل انتخابية بل هي انعكاس لطبيعة المجتمع ومدى نضج مؤسساته ومرآة لثقافته السياسية السائدة.
وفي الواقع لم تتسم العلاقات بين الأحزاب والقوى السياسية بأي طابع استقرار وذلك لارتباطها بالكثير من المعطيات كالضغوط الداخلية والخارجية وطبيعة المرحلة السياسية وغيرها فكثيرا ما نجد قوى متنافسة تدخل في تحالف استراتيجي لمواجهة تحد أكبر وربما ينهار تحالف تاريخي بسبب خلاف حول قضية غالبا ماتكون من كبرى القضايا.
إن مايميز العلاقات السياسية غالبا الطابع البراغماتي فكثيرا ما تتنازل بعض الأحزاب أو القوى السياسية عن العديد من مواقفها من أجل التأثير والبقاء وهذه البراغماتية على الرغم من ضرورتها أحياناً إلا أنها قد تؤدي إلى فقدان المصداقية لدى البعض خصوصا إذما وصلت إلى حد التلون المفرط أو التناقض الشديد بين الخطاب والممارسة.
وهنا لابد من القول أنه في التجارب السياسية الناضجة تمتاز العلاقات بين الأحزاب والقوى السياسية بمستوى من التنافس الصحي الذي يعزز مبدأ المحاسبة ويغني طبيعة المجتمع ويحفز برامج التطوير والاستجابة لمطالب المواطنين وتصبح المعارضة جزء لا يتجزأ من النظام السياسي لكن في الكثير من دول العالم النامي تصاب العلاقات السياسية بالعطب بسبب الاستقطاب الحاد أو تغول السلطة أو انعدام الثقافة الديمقراطية وفقدان الثقة بين مختلف الاطراف.
ولابد من أن نشير هنا أن العلاقات السياسية لا يمكن فهمها بوضوح بعيدا عن الطابع الشخصي فيها فالقادة السياسيون بخصائصهم الفردية وأمزجتهم وتحالفاتهم لابد من أن يتركوا أثرا في طبيعة العلاقات بين الأحزاب والقوى السياسية
واليوم باتت الحاجة ماسة لإعادة الاعتبار لفكرة العلاقة السياسية الرشيدة تلك التي لا تقوم على العداء أو التبعية والتنافر بل تقوم على الحوار المسؤول والتفاعل الخلاق والقدرة على بناء تفاهمات وطنية تتجاوز ضيق اللحظة السياسية نحو أفق استراتيجي أشمل ، فالأحزاب ليست كيانات منغلقة على نفسها بل يفترض أن تكون مؤسسات تعبر عن نبض الشارع وتحول المطالب الشعبية إلى سياسات قابلة للتنفيذ.
إن السياسة لا تكون قوية ومؤثرة إلا إذا كانت العلاقات داخلها قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق الاعتبارات الفئوية والشخصية عندها تتحول الحياة السياسية من ساحة صراع مرير إلى مساحة بناء مشترك يساهم فيه الجميع كل من موقعه
وانطلاقا من هذا الفهم يؤمن حزب الوطن السوري بأن المرحلة الراهنة تتطلب تجاوز منطق الانقسام والاصطفاف والبحث الجاد عن مساحات مشتركة بين كل القوى الوطنية السورية على اختلاف توجهاتها
فاستقرار سوريا وبناؤها من جديد لا يمكن أن يتم إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تنطلق من الاحترام والاعتراف المتبادل وتنتهي بمشروع وطني يصون السيادة ويكفل التنوع السوري
وهنا يرى حزب الوطن السوري أن بناء علاقات إيجابية مع كل القوى الوطنية لا يعني التنازل عن الثوابت بل يعني خلق لغة تفاهم عقلانية أساسها الحوار والانفتاح وقبول الآخر وهدفها مصلحة السوريين جميعا ، فالحوار لا يضعف الموقف بل يقويه والمنافسة لا تلغي التعاون بل تثريه ولذلك يدعو الحزب إلى تكريس ثقافة العمل السياسي التشاركي وتعزيز مناخ الثقة وإعادة الاعتبار إلى السياسة بوصفها وسيلة لخدمة الناس لا ساحة لتصفية الحسابات أو توزيع النفوذ
ولهذا المعنى فإن حزب الوطن السوري يطرح نفسه طرفا وطنيا ملتزما بالعمل مع كل القوى الوطنية السورية من أجل مصلحة السوريين بعيدا عن لغة التخوين والتخويف مؤمنا بأن المستقبل لن يبنى إلا بأيد سورية وبرؤية وطنية تستند إلى إرادة الحياة لدى شعب لم تنكسر عزيمته رغم كل الجراح .
الدكتور محمد درويش _ الناطق الرسمي لحزب الوطن السوري