يواجه المواطن السوري اليوم واقعاً معقداً تتشابك فيه الخيوط السياسية والفكرية والاجتماعية وسط تنازع قوى متعددة بعضها ينتهج السلمية وبعضها الآخر يتجه إلى العمل العسكري وفي ظل هذا التشظي المستمر يبقى السوري العادي عاجزاً أمام فك طلاسم الواقع الذي يهدد استقرار السلم الأهلي حيث مازال هذا السلم بعيداً عن البحث الجاد والدراسة العميقة يصبح من الضروري إذاً أن يتمكن المواطن السوري من العيش بحرية مسؤولة يحصل فيها على حقوقه ومتطلبات حياته دون الخوف من الاعتداء على أمنه الشخصي أو انتهاك حقوقه الأساسية.
في هذا السياق يظهر النضال السياسي السلمي كخيار أمثل لتجاوز الأزمات وتخفيف حدة الانقسامات، هذا النضال لا يهدف فقط إلى حل الخلافات الآنية بل يسعى إلى تأسيس مجتمع مدني ديمقراطي قائم على العدالة والمساواة وسيادة القانون، حيث يتمتع جميع المواطنين بحقوقهم كاملة بعيداً عن أي تمييز ديني أو طائفي أو مذهبي أو عرقي، النضال السلمي هو في جوهره دعوة لبناء ثقافة سورية جامعة ترفض الكراهية والإرهاب وتيارات الإقصاء والتهميش وتعمل على تعزيز قيم الحوار المجتمعي كسبيل لحل الخلافات والتباينات.
إن رفض العنف كوسيلة لحل الخلافات يمثل حجر الأساس في تعزيز السلم الأهلي الذي يعد بدوره من أهم المفاهيم الاجتماعية المعاصرة، يقوم السلم الأهلي على تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع وقطاعاته المختلفة بغض النظر عن تنوعهم الديني والثقافي والسياسي، هذا السلم ليس مجرد شعار نظري بل هو أداة حقيقية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي ينعكس بدوره استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً ويخلق بيئة يسودها الوئام ويقل فيها التوتر والنزاعات، حيث تدار الخلافات عبر الحوار والتفاهم لا عبر المواجهة.
لكن لا يمكن تحقيق السلم الأهلي دون إدارة سليمة للتنوع المجتمعي فالتنوع بدلاً من اعتباره تهديداً يجب أن ينظر إليه كفرصة للإثراء والتطور وهذا يتطلب إتاحة مساحات واسعة لكل جماعة للتعبير عن خصوصياتها وهوياتها ضمن إطار من الاحترام المتبادل، إن الإدارة السلبية لهذا التنوع عبر تهميش بعض الفئات أو ممارسة القمع ضد الهويات المختلفة تؤدي إلى غياب الحريات وتعميق مشاعر الكراهية والرغبة في الانتقام مما يجعل المجتمع بيئة غير قادرة على النمو والتطور.
من جهة أخرى لا يتحقق السلم الأهلي دون عدالة اجتماعية حقيقية تترجم في توزيع عادل للثروات والموارد بما يقلص الفجوات الطبقية ويوازن بين مصالح الأغنياء والفقراء كما يتطلب الأمر أيضا تحقيق الاستقرار بين المكونات الإثنية والعرقية والدينية عبر ترسيخ التفاهم والاحترام المتبادل لكي يشعر كل فرد بأنه جزء من وطنه وله مكانه ودوره في بنائه.
في المحصلة يبقى النضال السياسي السلمي الأساس الذي يبنى عليه مجتمع سوري متماسك قادر على مواجهة تحدياته بعيداً عن العنف والتطرف، لا يمكن للدولة أن تنجح في بناء الاستقرار إذا لم تلتزم بمبادئ العدالة والمساواة واحترام التنوع، السعي نحو السلم الأهلي لا يضمن فقط تجاوز الأزمات الحالية بل يفتح الطريق أمام بناء وطن موحد يعزز قيم الحرية والعدالة ويؤمن مستقبلاً أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.
آلاء الحمد- عضوة المجلس المركزي في حزب الوطن السوري