عندما يأتي الحديث عن المواطنة والتعايش فلا بد من الإشارة إلى أنهما من أبرز الأسس الجوهرية لبناء المجتمعات السليمة والعادلة .. فالمواطنة تعني انتماء الفرد إلى وطنه وتمتعه بكافة الحقوق والتزامه بكل الواجبات المترتبة عليه كعضو فاعل في المجتمع بينما يشير التعايش إلى قدرة الفرد على العيش بسلام مع الآخرين رغم اختلافاتهم الثقافية والدينية والعرقية.
ورغم أن الحديث عن هذه المفاهيم يبدو بسيطا في الظاهر إلا أن تطبيقها بشكل فعال يتطلب فهما عميقا ورغبة حقيقية في ترسيخ قيم الاحترام المتبادل والتفاهم ونبذ العنف والتطرف.
العلاقة بين المواطنة والتعايش هي علاقة تكاملية حيث أن المواطنة تهيء بيئة تسمح للأفراد من مختلف أطياف المجتمع بالعيش ضمن إطار من العدالة والاحترام المتبادل وعندما يكون المواطنون على دراية تامة بحقوقهم وواجباتهم ويشاركون بفعالية في الحياة المجتمعية فإنهم يساهمون بشكل مباشر في تعزيز ثقافة التعايش ويشعرون بالقدرة على التعبير عن أنفسهم دون خوف من التهميش أو الاضطهاد.
لكن على الرغم من أهمية هذه القيم إلا أنها تواجه العديد من التحديات من أبرزها التفرقة والتمييز القائم على أساس العرق أو الدين أو الجنس ما يؤدي إلى إضعاف قدرة الأفراد على التفاعل بسلام في مجتمع يفترض أن تحكمه العدالة والمساواة كما يعد الفقر والتفاوت الطبقي والاجتماعي من العوامل التي تضعف الإحساس بالمواطنة وتؤثر سلبا على التماسك المجتمعي.
خصوصا عندما يشعر البعض بالتهميش بسبب اختلافاتهم الاجتماعية أو تفاوت طبقاتهم الاقتصادية يضاف إلى ذلك الجهل وقلة الوعي حيث يؤدي نقص التعليم إلى ضعف في فهم مفاهيم المواطنة والتعايش مما يخلق فجوة بين مختلف فئات المجتمع.
لمواجهة هذه التحديات فإن من الضروري الاستثمار في التعليم لأن بناء المجتمع يكون ببناء نظم التعليم الصحيحة ونشر الوعي من خلال تضمين مفاهيم المواطنة والتعايش في المناهج الدراسية وتنظيم حملات تثقيفية تعزز من الفهم والاحترام بين الناس كما أن وجود قوانين عادلة تحمي حقوق الإنسان وتضمن المساواة بين الجميع.
كما أن نشر مفهوم العدالة الجندرية بين الجنسين هي من أهم النقاط التي يحب أن يبنى عليها أساس المواطنة العادلة وهو ما يشكل خطوة أساسية نحو تحقيق مجتمع أكثر عدلا واستقرارا إلى جانب ذلك تلعب المبادرات المجتمعية دورا مهما في خلق جسور التواصل بين أطياف المجتمع من خلال تنظيم فعاليات وندوات تفتح مساحة للحوار بين الفئات المختلفة وتساعد على تقوية الروابط المجتمعية.
لذلك لا يمكن النظر إلى المواطنة والتعايش كمفاهيم نظرية تسوق في الحملات الانتخابية أو لتحقيق مكاسب سياسية هنا وهناك بل هما الأساس الحقيقي الذي يبنى عليه مستقبل الوطن الجامع وهما الرافعة التي ستزيل أنقاض الحرب وتداعيات السياسات الخاطئة لعقود من التمييز والتهميش وهما السد المنيع لعدم تكرار هذه السياسات الخاطئة ويشكلان حجر الزاوية في بناء وطن تسوده الحرية والكرامة والعدالة ويشعر فيه كل فرد بأنه جزء لا يتجزأ من كيانه وله دور فعال في صنع واقعه ومشاركة الآخرين في صنع مستقبل مشترك حقيقي عماده المواطنة وجدرانه التعايش والعدالة.
أميرة الحسون- عضوة مكتب المرأة في حزب الوطن السوري