بالتأكيد أن لسوريا حيز جغرافي وموقع جيوسياسي حيوي ومميز ترتبط بحدود برية وبحرية وجسور جوية مع عدة دول وايضا هي بلد وفير الثروات ويمتلك ديموغرافية بشرية مدنية الطابع والثقافة وشعب متعدد الأعراق والأديان ، وهي تتعرض لجملة من التهديدات أعقبت الحرب السورية الطويلة و المدمرة ، من جهة تهديد وجودي وعقائدي يتمثل في اختراقات مذهبية واجتماعية تهدد حالة التعايش التي تتميز بها سوريا ، ومن جهة اخرى تهديد أيديولوجي حيث ان هذه الاختراقات المذهبية والدينية والفكرية تتسبب في تشويه الذهنية العامة المتسامحة وتخلق مفاهيم وثقافة أحادية متطرفة تفرض الهيمنة وترفض الآخر المختلف ولا تقبل بحالة التعايش التي كانت سائدة وهذا يقود الى نزاعات مذهبية و أثنية مدمرة ويؤدي أيضا الى استفحال مظاهر الإرهاب في عموم المنطقة ، فستشكل خطر على الجميع دون استثناء .
نلحظ أيضا من خلال نظرة عامة على البلاد و إذ ما دققنا بواقع الحال نلاحظ بانه مما لا شك فيه أن الخراب الكبير الذي طال البلاد على جميع المستويات، البشرية والمجتمعية واللوجستية والسياسية والاقتصادية والثقافية والقيمية وغيرها نتيجة سياسات الاستبداد والفساد ، سيحتاج العمل عليه بشكل جدي لأن المقومات الحالية الموجودة على الأرجح هي التي ترسم ملامح سوريا لذلك أن بقي الحال على ما هو ستبقى سوريا حاضنة ومنتجة للمذهب المتطرفة التي يمكنها التحول ببساطة وسرعة إلى قوى إرهابية فسنوات الصراع الماضية تمكنت من تثبيت ثقافة العنف، وباتت تساهم كثيرا بخلق بيئة حاضنة للتطرف.
بناء على كل هذا فإنه كان من الضروري إيجاد مسارات سياسية وطنية رافدة تقوم بمهام تأهيل المجتمع سياسيا وثقافيا و معرفيا و قيميا وللقيام بهذه المهمة نحتاج لوجود كيانات سياسية مؤسساتية ،لهذا تم إقرار مثل هذا المشروع بخطوطه العريضة وهو حزب الوطن السوري ‘المكون من شخصيات لديها الكفاءة لإدارة مثل هذا المشروع وهذه الشخصيات ليس بالضرورة أن تجتمع على خلفية ايديولوجية أو ثقافية واحدة أو مشتركة، لكنها قد توافقت على وثائق الحزب ورؤيته ، ليصار إلى تثبيت رؤية هذا المشروع ووضع البرامج الابتدائية لتنفيذه.
لذلك أمام حزب الوطن السوري وبقية القوى الوطنية الشريكة ، تحديات متعددة وعظيمة ، منها التحدي الثقافي والمعرفي وهو التحدي الأهم من حيث انتشار الأفكار المتطرفة والتراجع و الانكماش التعليمي وغياب المنهجية المعرفية المؤسساتية التي تصل أفقيا و عموديا الى جميع فئات المجتمع ، بالإضافة للتحدي الاقتصادي انتشار الفقر .. البطالة والتضخم وانتشار ظاهرة التسول بشكل كبير جدا ولا سابق له يضاف الى ذلك هجرة الشباب والعقول والطاقات والموارد البشرية المختلفة ، لا ننكر أيضا أن هناك تحدي أخلاقي من حيث انتشار المخدرات و اللصوصية وجرائم القتل والكراهية وغيرها مترافقة مع غياب الرادع المؤسساتي والأهلي الفاعل .
لذلك توجه الحزب من خلال وثائقه ورؤيته لوضع استراتيجية وخطة عمل مدروسة و منهجية من قبل مختصين تهدف الى الوصول بالمعلومة والمعرفة والقيم المدنية الى مختلف أفراد المجتمع ، لتثبيت قيم المواطنة والهوية الوطنية والعمل الحثيث عليهما ، من خلال المشاركة والشراكة الفاعلة ، لخلق بيئة ملائمة لتأسيس كوادر تستطيع أن تواجه و تصد الغزو الفكري والمذهبي ، هذا الامتداد يستلزم إشراك جميع النخب الاجتماعية الفاعلة من المسميات القبلية المختلفة والهيئات و المنظومات التي تميز طبيعة المنطقة وتكوينها الاجتماعي ، أيضا توظيف الحالة التعددية عشائريا ودينيا في خدمة مشروع حزب الوطن السوري لأنه مشروعا سوريا وطنيا بامتياز، من أجل التأسيس لثقافة اجتماعية فاعلة و متجذرة ، وتشجيع الفكر الفلسفي الذي يمجد الأخلاق الحقيقية ويطور العقل ويعمق معنى الواجب والمسؤولية والتضامن .
بقلم دحام السطام
عضو المكتب السياسي لحزب الوطن السوري