في خضم التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة، يطل علينا المخضرم في السياسة الخارجية والدولية، سيرغي لافروف، متحدثًا عن احتمالية إحياء اللقاء السوري-التركي ضمن إطار اتفاقية أضنة الموقعة في عام 1998. هذه الاتفاقية، التي كانت تهدف إلى تهدئة التوتر بين البلدين آنذاك، تعود اليوم إلى الواجهة في ظل دعوات متزايدة لإعادة إحيائها. ومع ذلك، ورغم حديث الأطراف عن اجتماع قريب، يبقى التساؤل قائمًا حول ما إذا كانت هذه الاجتماعات ستؤدي إلى انفراج حقيقي في الأوضاع السياسية المتأزمة.
السؤال المحوري الذي يفرض نفسه : إلى أين تتجه السياسة الدولية في هذا الملف؟ في الآونة الأخيرة، تطالب الحكومة السورية بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وهو مطلب طالما تكرّر دون استجابة من الجانب التركي. اليوم، ومع تعالي الأصوات مرة أخرى للمطالبة بالانسحاب، يبدو أن هناك احتمالية لحدوث استجابة من الجانب التركي، ولكن وفق شروط وتفاهمات قد تعيد النقاش حول اتفاقية أضنة. هنا يبرز تساؤل آخر: هل ستكون قضية لواء الاسكندرون، الذي يعد ملفًا تاريخيًا حساسا بين الجانبين، جزءا من هذه المفاوضات؟
إذا افترضنا أن الطرفين اتفقا على الجلوس إلى طاولة الحوار بوساطة روسية، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: أين سيُعقد الحوار السوري-السوري؟ وهل ستقبل الحكومة السورية والمعارضة بالتفاوض برعاية دولية؟ من المؤسف أن السوريين، الذين يتشاركون تاريخًا طويلًا وثقافة غنية، يجدون أنفسهم بحاجة إلى وساطة دولية لحل مشاكلهم الداخلية، بينما ينبغي أن يكون الحوار الوطني هو السبيل الأمثل لتجاوز هذه الأزمة.
على الرغم من الدعوات المتكررة من مناطق شمال وشرق سوريا لإجراء حوار مباشر مع حكومة دمشق، إلا أن الأخيرة لم تظهر حتى الآن أي بوادر للاستجابة. يُطرح هنا تساؤل حول الأسباب الكامنة وراء هذا التعنت. هل هي مخاوف من تقاسم السلطة؟ أم أن الحكومة السورية ترى أن بقاء الوضع الحالي يخدم مصالحها الاستراتيجية؟
ومع استمرار هذا الجمود السياسي، تبرز الحاجة إلى مؤتمر وطني شامل يجمع كافة الأطراف السورية، ويعيد طرح الأسئلة الكبرى حول مستقبل سوريا. لماذا لا نشهد حوارًا وطنيًا مماثلاً لما حدث في عام 1920، عندما اتفقت القوى السورية على المطالبة بخروج كل القوى الأجنبية؟ ألا يحق للسوريين اليوم أن يتحدوا ويطالبوا بإنهاء وجود القوات الأجنبية على أراضيهم؟
أما على صعيد العلاقات الدولية، فقد شهدت سوريا في الآونة الأخيرة عودة تدريجية لعلاقاتها مع بعض الدول العربية والإقليمية. لكن هل ستسهم هذه التحركات في تحسين الوضع الداخلي؟ وماذا عن ملايين اللاجئين السوريين المنتشرين في أنحاء العالم؟ هل سيعودون إلى وطنهم في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة؟ ومع فرض رسوم دخول مرتفعة على السوريين العائدين، تُطرح تساؤلات حول مدى تشجيع الحكومة السورية لعودة مواطنيها. المفارقة أن الأجانب يدخلون سوريا دون تحمل أي رسوم أو الخضوع لإجراءات أمنية معقدة، بينما يُطلب من السوريين مراجعة الأجهزة الأمنية ودفع رسوم باهظة.
من المؤسف أن أفق الحوار السوري-السوري لا يبدو مشرقًا في المدى القريب، رغم المطالبات المحلية والدولية. كما أن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم لا تزال بعيدة المنال في ظل غياب الحلول السياسية والاقتصادية التي تضمن لهم عودة آمنة وكريمة. يبقى السؤال الأكبر هو: هل يمكن أن يحدث تغيير جذري في المشهد السياسي السوري يعيد الأمل للسوريين بالعودة إلى ديارهم؟
في نهاية المطاف، يبقى الأمل قائمًا بأن تتمكن سوريا من تجاوز هذه المحنة التاريخية، وأن يعود الاستقرار إلى ربوعها. ولكِ الله يا سوريا، في ظل هذه التحديات الكبرى التي تواجهك. دامت سوريا بخير، رغم كل ما تمر به.
بقلم: الرفيق ناصر الحريث