القضية السورية لم تعد مجرّد أزمة عابرة، بل تحوّلت إلى مبدأ وجودي يقوم على ما يمكن تسميته بالثالث المرفوع، أي أنه لا يوجد حلٌّ ثالث بين الوطن ونقيضه، إمّا أن نختار سوريا بكرامة وحرية وعدالة، أو أن نستسلم لنقيضها، وهو التفكّك والهيمنة والدمار، فلا مكان للفرضيات الرمادية أو التسويات الهشّة، لأن التجارب أثبتت أن أي حل وسط لا يدوم أمام حجم التدخلات الداخلية والخارجية.
السلطة في الداخل تخاف من شعبها، وتستند إلى الخارج بحثاً عن شرعية مفقودة بينما القوى الدولية الكبرى تتعامل مع الشعب السوري كأداة تسعى لإسكاته وتخويفه عبر أذرعها وأدواتها بالوكالة، هذه القوى نفسها تجلس على طاولات الحوار رافعة شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما على الأرض تدعم الاقتتال وتغذّي النزاعات الطائفية والعرقية، سوريا وغزة مثالان صارخان على التناقض بين ما يقال في المؤتمرات وما يمارس في الواقع.
في الداخل السوري لعبت الخيانة دوراً محورياً هناك من باع ضميره وتحالف مع الخارج على حساب أخيه في الأرض، فكان الشعب أوّل ضحايا الانقسام الطائفية والعرقية تحوّلت إلى أدوات قتل على الهوية، رغم أن هذه المكونات تعايشت مئات السنين، وصنعت معاً حضارة راسخة، لكن التحريض الممنهج جعل الاختلاف وصمة، وأراق الدماء بين من كانوا شركاء في الوطن الواحد من الساحل إلى السويداء.
أمّا تركيا فقد وضعت يدها على مفاصل القضية السورية، تدخّلت في أدق تفاصيل الدولة، ودعمت جماعات مسلحة هدّدت المكوّنات، وفرضت سياسة التعطيش كما هو الحال في ملف مياه الحسكة، تركيا لا تريد بقاء النظام ولا رحيله، بل تريد أن ترسم لنفسها خارطة سياسية واقتصادية جديدة تخدم مصالحها، فيما يدفع الشعب السوري الثمن وحده، ولولا الغطاء الدولي والضعف الداخلي لما تمكنت من فرض هيمنتها بهذا الشكل.
الحل على بساطته النظرية يكمن في تحالف دولي وإقليمي يضع حدّاً للتدخل التركي عبر قوانين ومواثيق ملزمة بالتوازي مع فتح حوار سوري سوري حقيقي يعطي لكل مكوّن حقه، ويعيد الاعتبار للشعب باعتباره صاحب القرار الأوّل، مثل هذا الحوار شهدناه في محطّات سابقة في دمشق وباريس، لكنه تعطّل بسبب الضغوط الخارجية والتوازنات المفروضة.
لكن لنكن أكثر واقعية عندما تختلف الدول الكبرى يكون النووي هو لغة الردع، وسرعان ما تعقد الاتفاقيات التي تضمن مصالحها، وتحفظ أمنها، حتى لو لم تسجّل إصابة واحدة، أمّا نحن فحروبنا تعني القتل والتدمير والتجويع والتعطيش بلا قدرة حقيقية على وقف النزيف هذه المفارقة هي التي تضعنا أمام المبدأ الثالث، لا حل ثالث بين الوطن ونقيضه.
خلاصة الأمر تكمن في أن الشعارات لا تبني أوطاناً، ولا العداء المصطنع يحمي الشعوب، ما يحمي هو الوعي السياسي والتمسّك بالحوار وفهم من يضحّي من أجل الوطن، ومن يضحّي بالوطن، هنا يكمن جوهر القضية السورية وهنا يكمن طريق الحل.
فاطمة الفرج- عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري.