يُعد السلم الأهلي حجر الزاوية في بناء المجتمعات المزدهرة، فهو يعبر عن التفاهم المشترك بين مكونات المجتمع كافة، ويجسد ذلك الشعور العاطفي والإنساني الذي يجعل الأفراد يشعرون بالأمان والاستقرار يربطهم ما هو أعظم من أي اختلافات من هوية وتاريخ ومصير مشترك ووطن.
ولكي يتحقق السلم الأهلي بشكله الأمثل، لا بد من توافر شرطين أساسيين: تواصل اجتماعي مقبول بين أفراد المجتمع، وعدالة اجتماعية فعلية تضمن تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات فالعدالة ليست مجرد مبدأ قانوني، بل ركيزة إنسانية تتجلى في منح كل فرد فرصا عادلة للعمل، والتعليم، والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمع، وحصوله على الحماية الاجتماعية، مع حفظ كرامته، بغض النظر عن انتمائه أو خلفيته.
وقد أصبحت العدالة الاجتماعية مفهومًا معتمدا عالميا، تتبناه الأمم المتحدة ووسائل الإعلام كعنصر رئيسي في تعزيز ثقافة اللاعنف داخل وخارج الدول. ذلك أن للعدالة أثرًا بالغا في تحقيق الازدهار والتنمية، وخلق مجتمعات متماسكة تنبذ العنف والصراع.
في هذا السياق يُعرف السلم الأهلي على أنه علاقة مستقرة وقوية بين الدولة والمواطن، وبين مكونات المجتمع المختلفة، تُبنى على الثقة، والعدالة، واحترام القوانين، وقبول الآخر حين يثق الشعب بأن قرارات الدولة تصب في مصلحة الوطن والمواطن، فإن هذه الثقة تُعدّ مؤشراً على نجاح الإدارة العامة، وعلى وجود مؤسسات تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
تبرز أهمية السلم الأهلي في غياب العنف والخوف، مما يسهم في الاستقرار النفسي والاجتماعي كما يعزز وجود مواطنين صالحين ملتزمين بالقوانين والنظام العام، ويُرسّخ قيم الوحدة الوطنية والعدالة المجتمعية يوفر السلم الأهلي أيضا بيئة داعمة للتنمية والتقدم، ويحقق شعور الأفراد بالسعادة والطمأنينة، فضلاً عن تقديم حلول سلمية للصراعات والاختلافات، والحد من التوترات الاجتماعية.
يتطلب ترسيخ السلم الأهلي جهودا جماعية على المستويين الفردي والمؤسساتي يجب دعم المجتمع المحلي والمبادرات التي تخدم الصالح العام، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية لبناء الروابط الإنسانية من المهم إدخال مفهوم اللاعنف ضمن المناهج التعليمية وسلوكيات الطلاب، وتشجيع العمل التطوعي، لا سيما في أوقات المحن والأزمات بالإضافة إلى ذلك، يجب تحسين المستوى المعيشي والدخل الفردي، وفتح فرص العمل أمام مختلف شرائح المجتمع.
لا يمكن أن يقوم السلم الأهلي إلا على دعائم واضحة ومتينة. من بينها وجود حكومة نزيهة وفاعلة تسهر على مصلحة المواطنين، وبيئة عمل سليمة خالية من الفساد والمحسوبية. يجب أيضا أن يكون هناك توزيع عادل للموارد والثروات، واحترام التعددية وقبول الآخر. بناء علاقات إقليمية متوازنة وتأمين بيئة اقتصادية مستقرة هما من الأسس المهمة للسلم الأهلي. بالإضافة إلى تمكين المرأة ومنحها الحق الكامل في التعبير والعمل والمشاركة المجتمعية.
إن السلم الأهلي ليس خيارا ثانويا، بل هو ضرورة وجودية لبقاء الشعوب وتطورها فهو الضمانة الوحيدة لحياة كريمة تسودها العدالة والمساواة، وتُبنى فيها المجتمعات على أساس التعاون والتكافل بقدر ما نرسّخ هذا السلم في نفوسنا وسلوكياتنا ومؤسساتنا، بقدر ما نرسم لمجتمعاتنا طريق الأمان والنهوض الحضاري.
وليم حمدان _ عضو قيادة فرع طرطوس لحزب الوطن السوري