تقف سوريا اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية حاسمة تتداخل فيها التحديات الداخلية مع الضغوط الخارجية وتفتح في الوقت نفسه آفاقا واسعة لتحقيق آمال الشعب السوري في الحرية والعدالة والكرامة.
إنها لحظة مفصلية تستدعي من جميع السوريين التكاتف والعمل الجاد من أجل بناء دولة جديدة، قائمة على سيادة القانون، ودولة المؤسسات التي تضمن حقوق المواطنين من دون استثناء أو تمييز.
ولا يمكن تحقيق هذا الهدف النبيل إلا عبر نظام سياسي جديد يُعبّر بصدق عن تطلعات السوريين، ويستند إلى دستور يعكس التنوع المجتمعي والثقافي في البلاد ويضمن الفصل بين السلطات، واحترام سيادة القانون كمرتكز أساسي في إدارة الشأن العام.
إن المرحلة القادمة تتطلب إيلاء أهمية قصوى لتحقيق السلم الأهلي، باعتباره أساس الاستقرار والعيش المشترك. ومن أجل ترسيخ هذا السلم، لابد من تحقيق جملة من الشروط الجوهرية
الإدارة السلمية للتعددية
سوريا تعتبر بلد غني بتنوعه العرقي والديني والمذهبي، وهذا التنوع يجب أن يكون مصدر قوة لا عامل انقسام. إن نجاح مسار التعددية يتطلب دعامات ديمقراطية حقيقية تتيح لمكونات المجتمع المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية.
الاحتكام إلى القانون لا يمكن للسلم الأهلي أن يتحقق دون ترسيخ مبدأ الاحتكام للقانون، بوصفه معيارا جامعا لكل المواطنين. فالقانون يجب أن يُطبّق على الجميع دون تمييز، ويضمن المساواة في الحقوق والواجبات، بعيدا عن العصبيات والانتماءات الضيقة.
إن حرية التعبير هي صمّام أمان أي مجتمع يسعى نحو الاستقرار والديمقراطية. ولا يمكن تحقيق منظومة اجتماعية مستقرة في ظل تقييد الحريات أو قمع الآراء فالفرد لا يستطيع أن يكون فاعلا في مجتمعه إذا تم تهميشه أو اضطهاده.
العدالة الاجتماعية هي القاعدة الأخلاقية التي يبنى عليها السلم الاجتماعي. ويستحيل تحقيقها في ظل تفشي المحسوبية والواسطة. لا بد من إعادة توزيع الفرص والموارد على أساس الكفاءة والإنصاف، كي يشعر كل مواطن بأن له مكانا في هذا الوطن، وبأن كرامته مصانة.
لا يمكن لأي تحول سياسي أو أمني أن ينجح دون قاعدة اقتصادية متينة فإعادة بناء الاقتصاد السوري ليست مجرد حاجة معيشية، بل ركيزة أساسية لاستدامة السلام والاستقرار.
وتنبغي عملية الإعمار أن تقوم على فرضيتين جوهريتين :
أولا النمو الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة إلى تنمية شاملة. يجب أن تنطلق الاستراتيجيات الاقتصادية من الواقع المحلي، مع إدماج استراتيجيات متعددة بحسب السياقات الجغرافية والاجتماعية، ضمن رؤية شاملة لاقتصاد عمراني وتنمية مكانية متوازنة.
ثانيا لا تنمية حقيقية دون شراكة فعلية بين الدولة والمواطن، في إطار مؤسساتي واضح، يتجنب العشوائية والفساد، ويستجيب لحاجات الناس العاجلة ضمن مسار تنموي طويل الأمد.
أما الأسس التي يجب أن يُبنى عليها الاقتصاد السوري الجديد، فهي
دعم النمو مع التركيز على رفع الإنتاجية.
وتوزيع عادل لثمار النمو بما يحقق العدالة الاجتماعية.
والتعاون الإقليمي والدولي من خلال أطر متعددة الأطراف تخدم المصالح الوطنية دون التفريط بالسيادة.
المرحلة المقبلة تفرض تجاوز عقلية الحزب الواحد والنهج الإقصائي الذي ألحق ضررا بالغا بالنسيج الوطني. إن سوريا بحاجة إلى نهج جديد يقوم على التشاركية والشفافية واحترام الإرادة الشعبية، بعيدا عن الاستبداد والتهميش.
وفي ظل هذه التحديات، لا يُعفى المجتمع الدولي من مسؤولياته إذ يقع على عاتقه دعم تطلعات السوريين نحو انتقال سياسي شامل وعادل، يفتح الباب أمام عودة المهجرين، ويهيئ لسلام حقيقي ومستدام.
سوريا الجديدة تحتاج إلى تضافر جهود جميع أبنائها، في الداخل والخارج، لبناء وطن حر ومستقر يتسع للجميع. إن بناء الدولة على أسس قوية تضمن سيادة القانون، وتواجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، هو مسؤولية تاريخية يجب أن نؤديها بكل إخلاص. فبالعزم المشترك، والنية الصادقة، سنرسم مستقبلا يليق بسوريا وشعبها العظيم.
الرفيق احمد العبدو عضو المجلس المركزي لحزب الوطن السوري