سوريا الجديدة.. تطلعات نحو التعددية والبناءعلى أنقاض حرب امتدت لأربعة عشر عامًا، وبعد ما يزيد على نصف قرن من حكم حزب البعث الشمولي القومي، تقف سوريا اليوم على مفترق طرق، فعلى أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتعليق آمالٌ كبيرة نحو بناء وطن حر وديمقراطي يعترف بالتعددية الوطنية الجامعة والذي يجب أن يضمنها أي دستور سوري جديد يسعى لإرساء أسس تلك التعددية، ويجب الابتعاد في هذه المرحلة عن أي ترسبات قد تخلفها حقبة النظام البائد.
فسوريا لكل السوريين من عرب وكرد وسريان وغيرهم من المكونات الإثنية والدينية يتعايشون إلى جانب تنوع لغوي وثقافي ميز نسيج المجتمع السوري، ومع ذلك، وبعد سقوط نظامٍ استمر في فرض سياسات مركزية وحصرية باتت مطالبات التنوّع والمساواة تحظى بالمزيد من المساحة الحقيقية في معالم النظام السياسي الجديد لسوريا بانتظار أن يكفل ذلك الدستور السوري الجديد والذي من المتوقع أن يكون منطلقاً نحو مستقبل ديمقراطي.
الإعلان الدستوري السوري الذي ينظم المرحلة الانتقالية اليوم لم يلقى حظوة كبيرة لدى شرائح المجتمع السوري على الرغم من توقعات المجتمع الدولي والداخل السوري بأن يفتح هذا الاعلان فصلاً جديداً في تاريخ الوطن إلا أنه وبحسب مختصين لم تخلُ من تناقضات تتعارض مع مبادئ التنوع والتعددية، ففي حين كان من المأمول أن يُساهم هذا الاعلان في إنهاء العنف وإبعاد الاستئثار بالسلطة، وكان من الضروري بمكام أن يصبح الإعلان الدستوري ركيزة لتحقيق العدالة الانتقالية والمشاركة الشاملة بين جميع أطياف الشعب السوري في التأسيس لبناء وطنهم المشترك.
هذا الواقع يدعو إلى إعادة النظر في صياغة أطر الدولة المستقبلية بما تعكسه من تنوع اجتماعي وثقافي، وتضمن مشاركة كافة مكونات المجتمع في صنع القرار وبناء الوطن.
فبناء سوريا لا يقتصر على إعادة إعمار المدن والقرى فحسب، بل يمتد إلى إعادة بناء الهوية الوطنية بطريقة تشجع على تجاوز الخلافات وتكسر حلقات العنف والتمييز، وفي هذا السياق، يُعد بناء وطن سوري حر وديمقراطي متعدد عنصراً أساسياً لإنهاء الانقسام المُنهك والممارسات التي أدت إلى التهميش على مدى سنوات طويلة، إلا أن طريق التحول الديمقراطي يتطلب إعادة جدولة الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
إذ لا يمكن لأي دستور أن يُحدث تغييرات جذرية ما لم يصاحبه تغيير في الثقافة السياسية لدى المسؤولين والمواطنين على حدٍ سواء.
من هنا ينبثق السؤال الوجودي: كيف يمكن للمجتمع السوري أن يحقق الوحدة من خلال احتضان التعددية؟ الإجابة تكمن في بناء آليات تضمن المشاركة الفعلية لكل فئة في عملية إعداد السياسات وصياغة الحلول الوطنية، يتطلب ذلك فتح حوارٍ وطني حقيقي يشمل جميع الأطياف دون استثناء، وفي إطار من الشفافية والمساءلة بعيداً عن الإرث القمعي للنظام السابق، وفي ظل التحديات المتعددة، يبقى الهدف الأسمى هو تحقيق وطن يمنح فرص العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة، ويضع حداً للعنف والتمييز الذي عانى منه الشعب السوري على مدى عقود.
إن سوريا اليوم تواجه مفترق طرق حاسم لبناء وطن جامع بالابتعاد عن النهج السابق الذي طالما أسهم في تفاقم الانقسامات التي كانت عائق أمام مسار بناء وطن سوري حر وديمقراطي متعدد الأوجه وهذا الوطن ليس مجرد تطلع سياسي، بل ضرورة حتمية لإنهاء آثار الحرب ومواجهة إرث حكم طويل الأمد من القمع والتمييز.
ويتجلى الأمل في إعادة بناء الوطن السوري على أسس جديدة تعزز التنوع من جهة وتعزز الوحدة الوطنية بعمق من جهة ثانية، وتضع سوريا على طريق السلام والازدهار بعيداً عن مسببات إرث التفرقة وأحقادها.
بناز عثمان- عضوة المجلس المركزي في حزب الوطن السوري.