مع سقوط النظام وتقدم هيئة تحرير الشام والفصائل المنضوية تحت مظلتها في معركة “ردع العدوان” والتي وصلت من خلالها إلى السلطة بدأنا كسوريين نشهد تشكلا جديداً لشكل الدولة ونتوجس سلطة أمنية على الأرض؛ هذا التشكل ما لبث أن أصبح مقسما إلى ثلاثة أقسام يتولى كل قسم جهة عسكرية ويتم توصيفها على النحو التالي:
أولها: الأمن العام الذي أخذ دور الشرطة الأكاديمي المعتاد وثانيها: هي الفصائل المنضبطة التي تعرف ما تقوم به بدقة ودون إساءة وتمارس مهامها بشكل منظم؛ أما ثالثها: فهي فصائل مجهولة النسب الثوري ومعلومة التوجه العقائدي فهي تضرب وتقتل وترتكب الجرائم دون حسيب أو رقيب وكان لها حالة حضور طاغ وإشعاع ثوري أعمى عيون حكام دمشق و صم أذانهم عن أفعالها.
فالسلطة الجديدة دخلت دمشق العاصمة على أنغام النصر الثوري وتراتيل الفتح العظيم وآذان فجر الحرية الذي حبست شمسه في معتقلات النظام من صيدنايا حتى أضيق زنزانة في أصغر مفرزة أمنية فجمَّع هذا الآذان المؤمنين بالغد المشرق وكبّروا وقرأوا الفاتحة على جثمان الطغيان فاستبشر شركاء الوطن الواحد خيراً بعد أن قال الفاتحون لمن ينضوي تحت مظلة النظام “إذهبوا فأنتم الطلقاء” فرد عليهم الناس اأدخلوها بسلام آمنين وخلعوا لباس الحرب ومدوا يد البنيان ولكن الحقائق بدأت تتكشف وتثير مخاوف السوريين.
أصبح الشهداء قتلى والموظفون لبسوا رتبة الفلول والفقراء من المجبرين على قبول أوامر السلطة مجرمين يجب الاقتصاص منهم أما أمراء الحرب وأصحاب المعالي والسيادة من مصدري الأوامر وواضعي خطط القتال وموجهي الجنود استحقوا العفو والمغفرة لما اقترفت أيديهم وكانت أموالهم المسروقة من مال الشعب حصنهم الحصين فأدوا فروض الزكاة على نية الغفران و البيعة لعالي المقام.
هذا الواقع يُقرأ من الناحية القانونية والحقوقية بعد المتابعة والتماس الأدلة والبراهين المستندة لوقائع وأحداث يومية ندرك أننا اليوم لسنا أمام تطبيق عدالة حقيقية فنحن لم نرى قوائم بأسماء المطلوبين ولم نعرف ما هي تهمة كل منهم ولا متى وأين سيحاكمون، أليس العدل يقوم بالقضاء وأليست المحاكمة هي سبيل إقامة الحجة واستحقاق العقاب على المرتكب أم أن نهج الأسد ومحاكماته الصورية للناس في محكمة الميدان الذي ثرتم عليه هو العدالة ؟؟؟ هذه أسألة مشروعة لواقع عرفي يسود اليوم لا وجود لقانون وقضاء لا وجود لعدالة قضائية وهي من أهم ركائز العدالة الانتقالية.
من حق الناس أن تعرف و تفهم هل أنتم هنا لبناء الوطن أم لتمرير مخطط إبعاد ضيقة من خلال تكرار الكوارث التي شهدها الشعب السوري بعهد الأسد وبتنفيذ مقصود لأجندة تهدف إلى حمل الشوارع لتخرج عليكم فيرى كل إنسان أن نجاته لم تعد بسوريته بل أصبحت بتقوقعه في طائفته وقوميته و مناطقيته وعرقه!!؟؟؟ وهذا ما نخشاه جميعاً فأسس القانون تعلمنا منها أن حق الدفاع مقدس حتى لمرتكب الجرم المشهود ولكننا رأينا انتقامية بررها فاتحو دمشق بقولهم أن هذه الأمور من الطبيعي أن تحدث وأنهم توقعوا أن يرو مشاهد أكبر من التي حصلت وكأنهم يعطون صك غفران للإجرام الجديد وهامشا من السماحية باستمرار الانتهاكات لمن ينفذها على الأرض.
بينما يتولون هم قبض ثمن صكوك الغفران من الآخرين وأصحاب الثروات حتى وإن كانت أيديهم ملطخة بلقمة عيش الشعب السوري دعما لآلة الإجرام التي كان ينفذها النظام، فالأوطان لن لتبنى يوماً بالانتقام والانتقال يقبلُ فيه الانتقاء تجاه شركاء بناء الوطن وليس تجاه من سيضحى بهم لإعلاء نزعة الثأر المشؤومة.
سوريا التي تعيش أخطر مراحلها التاريخية لم تولد بعد ولم يكن إسقاط النظام إلا خطوة أولى في سبيل لم شملها وتجميع شتاتها وتوسيع مظلتها والتوجه باتجاه تحقيق تطلعات السوريين كل السوريين بالعدل والإنصاف والتعامل وفق معيار الوطنية التي تؤسس لبناء الثقة والتطلع لآليات وأدوات النهوض الحقيقي وحكام دمشق مطالبون بتحقيق هذه التطلعات المحقة والمشروعة لشعب قدم الغالي والنفيس وإلا فإن البلاد والعباد لن يبقوا كما هم فمن أسقط الأسد وداعميه بعد ١٤ عام لن يتوانى في اسقاط أي نظام لا يحقق لهم آمالهم، وستكون سوريا الفقيدة الكبرى لكل السوريين والتي سيبكيها الجميع أمد الدهر والأيام “وهذا ما لا نتمناه جميعنا”.