منذ عقود والمرأة السورية تخوض معركة معقدة لإثبات وجودها في الساحة السياسية ورغم التضحيات التي قدمتها عبر التاريخ في مسارات التحرر الوطني وفي الحراك الشعبي وفي بناء المبادرات المدنية، إلا أن حضورها ظل في معظم الأحيان شكليا أكثر منه فعليا حيث ينظر إليها باعتبارها واجهة تجميلية للنظام السياسي لا شريكا قادرا على صياغة القرار ورسم السياسات.
هذا التناقض بين الجهد المبذول والنتائج المتحققة وضع النساء في مواجهة مباشرة مع واقع الإقصاء الذي يأخذ أشكالا متعددة تبدأ من التهميش وتنتهي بالترهيب ما جعل النضال من أجل التمكين السياسي قضية وجودية وليست مجرد مطلب حقوقي.
في هذا السياق، تقول زينة محمد عضوة قيادة فرع طرطوس لحزب الوطن السوري، إن المرأة في سوريا رغم دورها التاريخي في مسيرة التحرر ما زالت مغيبة عن مراكز صنع القرار الفعلي، حيث ينظر إليها كعنصر تجميلي أكثر من كونها شريكا فاعلا وتضيف أن هذا التهميش يزداد خطورة في ظل غياب بيئة آمنة إذ تواجه النساء تهديدات مباشرة وترهيبا ممنهجا عند محاولة الانخراط في الحياة السياسية.
زينة محمد عضوة قيادة فرع طرطوس لحزب الوطن السوري
وتشير محمد إلى أن الإقصاء لا يقتصر على الاستبعاد من المشهد بل يمتد إلى أشكال متعددة من العنف والضغط النفسي تدفع المرأة إلى الانسحاب قسرا، مؤكدة أن كل امرأة تجرؤ على رفع صوتها تتعرض لأبشع أشكال الابتزاز والتشهير والتهديد وصولا إلى التهديد بالقتل خاصة في مناطق السلطة المؤقتة هذه الشهادة تعكس حجم المخاطر التي تحيط بأي محاولة نسوية للانخراط في المجال السياسي وتوضح أن الإقصاء لم يعد مجرد إبعاد عن القرار بل أصبح سياسة ممنهجة لإسكات الأصوات الحرة.
وإذا كان هذا الوجه الأول من الإقصاء يقوم على الترهيب المباشر والعنف الممنهج فإن الوجه الآخر أكثر خفاء يتمثل في تحويل نجاح المرأة ذاته إلى وسيلة لإقصائها.
فالمفارقة الأشد قسوة، كما توضح أميرة الحسون عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري هي أن الخيارات السليمة التي تعتمدها المرأة لإثبات ذاتها من تعليم ومشاركة مجتمعية وقيادة واعية تستخدم أحيانا كسلاح ضدها فالإنجاز يتحول إلى ذريعة للتمييز والقدرة تصبح سببا لمنعها من المشاركة.
أميرة الحسون عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري
وتؤكد الحسون أن حق المرأة في الاختيار والمشاركة موقف ثابت لا يساوم عليه لكن مواجهة محاولات الإقصاء تتطلب قوانين تحمي المشاركة وسياسات تمكن النساء وثقافة عامة ترفض تحويل النجاح إلى مبرر للإبعاد عن المشهد وهنا يتضح أن معركة المرأة لا تتوقف عند المطالبة بالحق في الحضور بل تمتد إلى مواجهة ثقافة مجتمعية وسياسية تحاول باستمرار إفراغ هذا الحضور من معناه.
وبين التصريحين تتضح صورة المشهد المركب فمن جهة هناك قمع مباشر وإقصاء صريح عبر الترهيب والعنف السياسي ومن جهة أخرى هناك قمع مقنع يحول نجاح النساء إلى ذريعة لاستبعادهن، وفي الحالتين تبقى المرأة محاصرة في دائرة من الاستهداف المستمر ما يجعل معركتها لإثبات الذات أكثر صعوبة وإصرارا في الوقت نفسه إنها معركة مزدوجة صراع مع منظومة سياسية تتعامل معها كعنصر هامشي وصراع مع ثقافة مجتمعية تسعى إلى تطويعها أو تشويه نجاحها.
إن تجاوز هذه المعضلة يتطلب بيئة سياسية وأمنية تضمن حماية النساء من العنف وإرادة سياسية حقيقية تعترف بحقهن في القرار وتشريعات تفرض المساواة وتحمي من التمييز كما أن التغيير الثقافي يظل عنصرا جوهريا إذ لا يمكن لأي قوانين أو سياسات أن تحقق نتائج ملموسة ما لم تتغير النظرة المجتمعية التي تختزل دور المرأة في الرمزية أو تستغل إنجازاتها لإقصائها فالمشاركة النسوية ليست ترفا ولا تفصيلا بل هي شرط أساسي لتحقيق العدالة وبناء ديمقراطية حقيقية ولن يكون هناك استقرار سياسي واجتماعي دون أن تكون المرأة جزءا أصيلا من صناعة القرار لا مجرد عنصر ديكوري في مشهد يقرره الآخرون.