إن سوريا، التي كانت على مدى عقود مضرباً للمثل في التنوع الثقافي والديني والسياسي، تعيش اليوم مأساة إنسانية غير مسبوقة. مع مرور أكثر من عقد على اندلاع الصراع، أصبح واضحاً أن الأزمة السورية لا يمكن حلها بالوسائل العسكرية وحدها. في ظل هذه المعاناة التي طالت الجميع، يبدو أن الحوار السوري-السوري هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يقود إلى الحل الدائم والشامل الذي تنشده البلاد.
أولاً، الحوار السوري-السوري هو فرصة لاستعادة السيادة الوطنية السورية. لقد تمزقت البلاد بين العديد من القوى الخارجية التي تتنافس لتحقيق مصالحها الخاصة، ما أدى إلى تفاقم الصراع وتعقيده. إن الاعتماد على هذه القوى لن يضمن سوى استمرار النزاعات، بينما الحوار الداخلي المبني على التفاهم والاحترام المتبادل يعيد للسوريين حقهم في تقرير مصيرهم بعيداً عن التدخلات الخارجية.
ثانياً، يُعتبر الحوار السوري فرصة حقيقية للمصالحة الوطنية. خلال السنوات الماضية، ترسخت الخلافات السياسية والطائفية والاجتماعية، ولكن بدون المصالحة، لن يكون هناك أي أمل في إعادة بناء المجتمع السوري. المصالحة ليست مجرد اتفاق سياسي، بل هي عملية اجتماعية تعيد للناس الثقة في بعضهم البعض، وتؤسس لبناء مجتمع جديد قائم على القيم المشتركة والتفاهم.
ثالثاً، إنهاء المعاناة الإنسانية بات ضرورة ملحّة. أكثر من نصف سكان سوريا أصبحوا نازحين أو لاجئين، والاقتصاد تدهور بشكل كارثي، فيما يعاني الملايين من الفقر والجوع وانعدام الخدمات الأساسية. الحوار السوري-السوري يمكن أن يفتح المجال أمام حلول سريعة لاحتياجات السوريين الأساسية من خلال اتفاقات لوقف إطلاق النار، إعادة توزيع الموارد، وإعادة إعمار البنى التحتية.
رابعاً، الظروف الإقليمية والدولية الراهنة تستدعي من السوريين استغلال اللحظة الحالية. المنطقة تمر بتحولات جيوسياسية معقدة، والعديد من الدول بدأت تعيد النظر في سياساتها تجاه سوريا. بدلاً من انتظار مبادرات خارجية، على السوريين أن يأخذوا زمام المبادرة بأنفسهم ويبنوا على الفرص المتاحة للتوصل إلى حل شامل. إذ لا يمكن لسوريا أن تكون رهينة للتجاذبات الإقليمية والدولية إلى ما لا نهاية.
وأخيراً، لابد من أن يشمل الحوار جميع الأطراف السورية بدون استثناء. إن أي عملية حوار تستبعد أي طرف، سواء أكان سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً، محكوم عليها بالفشل. يجب أن يكون الحوار شاملاً يضم كافة الأطراف المتأثرة بالصراع، وذلك من أجل ضمان حل عادل ومستدام.
إن الحل للأزمة السورية لن يكون سهلاً أو سريعاً، لكن عبر الحوار الصادق والشامل يمكن أن تُبنى الجسور التي تفتح الطريق نحو مستقبل أفضل. لن يتمكن السوريون من تجاوز هذه المرحلة الصعبة إلا إذا تم وضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر، والعمل سوياً لإنهاء المعاناة واستعادة سوريا الموحدة والقوية.
في الختام، تبقى المسؤولية على عاتق الجميع: الشعب، القادة السياسيون، المجتمع المدني، والجهات الخارجية المؤثرة. لكن الحل الأهم ينبع من الداخل، من الإرادة الحقيقية للسوريين في إعادة بناء بلدهم، وهذه الإرادة لا يمكن أن تتحقق إلا بالحوار. إن إنهاء المعاناة يتطلب شجاعة وصبراً، ولكنه الطريق الوحيد لضمان مستقبل مستقر ومزدهر لسوريا.
بقلم: عماد الخلف – عضو المكتب الإعلامي الوطن السوري