في قلب الخراب الممتد على خارطة سوريا وبين مدن مثقلة بذاكرة الدم والدمار ينهض الشباب كقوّة حيّة تحمل بذور النهوض، لم يعودوا مجرّد أرقام في سجلّات النزوح أو صور باهتة لضحايا الحرب، بل أصبحوا طاقة متفجّرة بالوعي والإبداع وقوّة قادرة على رسم معالم وطن مختلف، إنهم ليسوا امتداداً لماضٍ مثقل بالاستبداد والفساد، بل مشروعاً لمستقبل يليق بكرامة الإنسان وحقّه في الحرية.
يشكّل الشباب أكثر من نصف المجتمع السوري وهذه الحقيقة ليست مجرّد إحصائية سكانية، بل نافذة تاريخية لبناء سوريا جديدة، فهم الجيل الأكثر اتصالاً بالعالم وامتلاكاً لأدوات التكنولوجيا، وقدرة على التواصل بلغات متعدّدة، وتمكّناً من تجاوز الجدران الطائفية والإثنية التي عمّقتها سنوات الحرب، إنهم جيل الخبرة المرّة والوعي العميق الذي لم يتورّط في شبكات الفساد، لكنه خبر الظلم والقهر فصار أكثر حساسية لقيم العدالة وأكثر تعطشّاً لفضاء الحرية.
لقد أثبت الشباب السوري في ساحات العمل المدني والإغاثي وفي المبادرات المحلية والتعليمية أنهم قادرون على صناعة الفعل لا مجرّد تحمّل الألم هم الذين نظّموا حملات لمحو الأمية، وأسّسوا منصّات إعلامية بديلة، وأداروا مشاريع تنموية صغيرة في الأحياء المدمّرة، وأعادوا للناس معنى التضامن، إنهم لا يحتاجون إلى وصاية بل إلى فضاء يمنحهم فرصة القيادة ومساحة لإطلاق طاقاتهم، فالوطنية لديهم لم تعد شعارات تُرفع، بل التزاماً عملياً تجاه الإنسان والأرض والكرامة.
غير أن تحويل هذه القوّة الكامنة إلى مشروع وطني يتطلّب إعادة صياغة الخطاب السياسي والاجتماعي تجاه الشباب، لا يكفي تصويرهم كضحايا للبطالة أو الهجرة، بل يجب إشراكهم في القرار والتخطيط وصناعة السياسات العامة وحوارات مجتمعية يقودها الشباب ليست ترفاً بل أساساً لولادة عقد اجتماعي جديد يعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة ويضع أسس دولة عادلة جامعة.
ولا يمكن الحديث عن المستقبل من دون وضع التعليم في قلب المعادلة، فقد حرم مئات الآلاف من المدارس والجامعات بسبب الحرب، وهو ما يجعل الاستثمار في برامج تعليمية مرنة ومجانية ضرورة قصوى، التعليم هو السلاح الحقيقي في معركة البناء لأنه يحرّر العقول ويؤسّس لاقتصاد قائم على المعرفة إلى جانب ذلك تظل العدالة الانتقالية شرطاً لا بد منه لإغلاق جراح الماضي والشباب يجب أن يكونوا جزءاً من لجان الحقيقة ومنصّات التوثيق كي تكتب رواية سوريا من منظور الضحايا لا من زاوية الجلّادين.
إن بناء سوريا الجديدة لا يقتصر على إعادة الإعمار المادي بل يبدأ من الإنسان نفسه هوية وطنية جامعة تعترف بالتعدّد وتحتفي بالاختلاف ولا يمكن أن تتبلور إلا بجهود الشباب ففي الشعر والموسيقى والفنون والإعلام يعيدون اليوم رسم صورة سوريا كوطن وذاكرة ومصير مشترك لا كساحة انقسام أو صراع.
سوريا التي يحلم بها الشباب ليست نسخة مشوّهة من الماضي، بل مشروع حياة جديدة ودولة قانون وعدالة وفضاء حرية وكرامة ووطن يليق بمن قدّم كل هذه التضحيات، إنهم ليسوا مجرّد أمل مؤجّل، بل فاعلون في الحاضر ومن واجب المجتمع ومؤسّساته أن يمنحوهم الثقة والموارد والمساحة ليكونوا القادة الحقيقيين لرحلة البناء.
المستقبل السوري لن يكتب في مكاتب مغلقة أو فوق طاولات المفاوضات فحسب، بل في عقول الشباب في أياديهم الممتدة نحو الغد وفي قدرتهم على تحويل الألم إلى أفق والدمار إلى فرصة والهامش إلى مركز، إنهم حجر الأساس لسوريا الجديدة وصوتها الأوضح في معركة الحياة ضد العدم.
لوسناك كافوريان- الرئاسة المشتركة لحركة الشباب الأرمني الديمقراطي.