في سوريا حيث مزق الصراع سنوات طويلة النسيج الاجتماعي برزت المرأة كقوة محورية لإعادة بناء الثقة بين المكونات المختلفة للمجتمع بين أنقاض الماضي وبذور المستقبل لم تكن المرأة مجرد شاهدة على الدمار بل كانت فاعلة رئيسية في خلق جسور التواصل بين الجماعات المتنوعة صانعة للسلام الصغير اليومي ومؤسسة للأمل الكبير غدا.
لقد حملت المرأة السورية أعباء تفوق ما يحتمله البشر عادة فهي التي فقدت المعيل في كثير من العائلات بسبب الحرب فوجدت نفسها مضطرة لدخول سوق العمل وتحمل مسؤولية الأسرة وتربية الأبناء وغرس قيم التسامح والاحترام وحب الآخر في جيل جديد قادر على تجاوز الكراهية والصراعات وفي الوقت نفسه كانت الطبيبة التي عالجت الجرحى دون التفريق بين هوية المصاب والمعلمة التي واصلت تقديم العلم رغم القصف والناشطة التي حولت ألمها الشخصي إلى وقود للتغيير الاجتماعي.
ومن خلال هذه الممارسات اليومية اكتسبت المرأة السورية شرعية أخلاقية فريدة جعلتها تلمس القلوب بلغة الإنسانية وتصبح جسرا بين مكونات المجتمع المختلفة لقد أثبتت المرأة أن الثقة المهدمة بفعل الحروب والاقتتال يمكن إعادة بنائها بحكمة وصبر وأن الصمود والقدرة على إيجاد حلول مبتكرة يمكن أن يعيدا الروابط الاجتماعية ويصلح النسيج الممزق.
لكن الطريق لم يكن سهلا فالقوانين المجحفة وغياب المشاركة الفاعلة للمرأة في مواقع صنع القرار بالإضافة إلى العادات والتقاليد النمطية قيدت إمكاناتها وأضعفت فرص تأثيرها الكامل ومع ذلك ظل حضور المرأة في قلب المجتمع هو العامل الأهم في الحفاظ على قيم التعايش وتعزيز الثقة بين المكونات فهي شريك أصيل في بناء سوريا الجديدة وصوت مؤثر يذكر الجميع بأهمية السلام المجتمعي والمساواة الحقيقية بين جميع أفراد المجتمع.
تمكين المرأة يمثل المفتاح لإعادة الثقة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعليمي فمن خلال تعزيز فرص العمل وتمويل المشاريع الصغيرة وتوفير التدريب المهني والقيادي يمكن للمرأة أن تساهم بفاعلية أكبر كما أن الحملات التوعوية ومكافحة العنف وتعزيز القوانين التي تضمن المساواة في الحقوق وتمثيل المرأة بشكل عادل في مواقع صنع القرار كلها عناصر أساسية لدعم حضورها المؤثر وفي التعليم يظل ضمان فرص الفتيات وإدراج مفاهيم المساواة بين الجنسين أساسا لتنشئة جيل قادر على تجاوز الانقسامات وبناء مجتمع متماسك.
المرأة السورية هي القلب النابض للمجتمع وهي الجسر الذي يربط المكونات ببعضها وهي الأمل الحي لإعادة الثقة بين جميع الأطراف إن تمكينها ودعمها معنويا وماديا وتأمين مشاركتها الكاملة في عملية إعادة البناء هو الطريق الأضمن لإحياء النسيج الاجتماعي وإعادة سوريا إلى وطن يتسع للجميع حيث تسود الحرية والكرامة والعدالة لكل السوريين.
أميرة الحسون- عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري.