لا يمكن لأي وطن أن ينهض أو يحقق التقدم دون أن يمنح شبابه الدور الذي يستحقونه في صياغة الحاضر ورسم المستقبل، فالشباب ليسوا مجرد مرحلة عمرية عابرة بل هم الطاقة المتجددة التي يمكن أن تدفع المجتمع نحو التطور إذا أتيح لهم المجال الحقيقي للإبداع والمبادرة، يعود ذلك إلى أنهم الفئة الأكثر قدرة على التكيّف مع المتغيّرات والأكثر استعداداً لتحمّل المخاطر من أجل إحداث التغيير.
حين يتم تهميش الشباب أو حصرهم في أدوار ثانوية يخسر الوطن فرصاً ثمينة، الأفكار الجديدة والجرأة على التغيير لا تأتي عادة من النخب التقليدية التي ألفت الطرق القديمة بل من العقول الشابة التي ترى الواقع بعين مختلفة، وتحلم ببدائل أفضل ولعلَّ أكثر ما يميز هذه الفئة هو امتلاكها الحماس والرغبة في العمل الميداني، وهو ما يجعلها قادرة على تحريك المجتمعات وإلهام الآخرين.
لكن الواقع في كثير من البلدان يكشف أن الشباب يواجهون عقبات صعبة تعرقل مشاركتهم الفاعلة، فالبطالة المتزايدة وضعف أنظمة التعليم وغياب فرص التدريب إلى جانب احتكار القرار من قبل فئات معينة، كلها عوامل تدفع بعضهم إلى الانعزال عن الشأن العام أو الاكتفاء بدور المتفرّج، كما أن الظروف الاقتصادية القاسية تجعل انخراطهم في العمل السياسي أو المجتمعي رفاهية لا يستطيعون تحمّلها أحياناً.
التغيير الحقيقي يبدأ من الاعتراف بأن الشباب ليسوا بحاجة إلى وعود موسمية أو شعارات برّاقة، بل إلى بيئة سياسية واجتماعية تمنحهم أدوات الفعل والتأثير، وهذا يتطلّب من الدولة وضع سياسات واضحة لتمكينهم مثل تخصيص برامج لاحتضان المبادرات الشبابية وإشراكهم في صياغة القرارات التي تمس حياتهم بشكل مباشر، كذلك يحتاج الأمر إلى دعم من مؤسسات المجتمع المدني لتوفير مساحات آمنة للتعبير وفرص للتدريب العملي على القيادة وصناعة القرار.
إن بناء جيل واعٍ بقضايا وطنه وقادر على المساهمة في حلها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والأسرة، فالتنشئة السياسية والتثقيف المدني يجب أن تبدأ من المدارس والجامعات حتى يكبر الشباب، وهم يدركون أن المشاركة في الحياة العامة ليست خياراً ثانوياً بل واجب وطني.
الشباب هم المحرّك الأوّل لأي مشروع إصلاحي حقيقي، وغيابهم عن مراكز التأثير يعني أن القرارات ستظل أسيرة عقلية الماضي، وجودهم في البرلمان أو المجالس المحلية أو حتى في المبادرات التطوعية يفتح المجال أمام سياسات أكثر عدلاً واستجابة لاحتياجات الناس.
في النهاية الاستثمار في الشباب ليس مجرد خطوة لتحسين صورة الدولة أو إرضاء الرأي العام، بل هو استثمار في استمرارية الوطن نفسه وحين يحصل الشباب على فرصتهم الكاملة، فإنهم قادرون على تحويل الأزمات إلى فرص، والأحلام إلى خطط واقعية، والطموحات إلى إنجازات ملموسة.
إنهم ليسوا فقط بناة المستقبل، بل حماة الحاضر، والقوة التي يمكن أن تقود الأمة إلى نهضة حقيقية إذا ما أعطيت لهم الثقة والمسؤولية.
عبير علي- عضوة المجلس المركزي لحزب الوطن السوري.