مع اشتداد التوترات العسكرية بين إيران وإسرائيل، تتجه أنظار العالم نحو الشرق الأوسط، ليس فقط من زاوية الأمن الإقليمي، بل بسبب المخاوف من اتساع رقعة الأزمة لتشمل الأسواق العالمية، في ظل نظام اقتصادي دولي هش أصلا، أنهكه التضخم، والحروب، والمخاطر التجارية المتصاعدة في أكثر من جبهة.
أول المتأثرين كانت أسعار النفط والغاز، حيث قفزت فورا مع إعلان الضربات المتبادلة، نتيجة المخاوف على أمن مضيق هرمز الذي تمر منه ثلث صادرات النفط العالمية، واحتمالية استهداف بنى تحتية نفطية في الخليج أو شرق المتوسط. ولا يزال العالم يترنح من أزمة الشحن في البحر الأحمر، والحرب في أوكرانيا، وأي تعطيل جديد في طرق الملاحة أو منشآت الطاقة يعني ارتفاعا في كلف الشحن، وتأخيرا في وصول المواد الخام والسلع الأساسية، واضطرابا أكبر في شبكات الإنتاج العالمية.
في لحظات الأزمات، يُقبل المستثمرون على الدولار كملاذ آمن، مما قد يؤدي إلى ارتفاع سعر صرفه عالميًا. ولكن إذا طال أمد الحرب أو دخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر، قد تهتز الثقة لاحقًا، وتتجه بعض الاقتصادات نحو بدائل احتياطية كالذهب أو اليوان الصيني.
ورغم أن سوريا ليست طرفا مباشرا في الحرب، إلا أنها ستتأثر بشدة، لأسباب متعددة. فأسعار المشتقات النفطية سترتفع بشكل حاد، لا سيما أن السوق السورية تعتمد على مصادر غير مستقرة سياسيًا واقتصاديا. وأي صعود في سعر النفط العالمي سيُترجم فورًا إلى أعباء على المواطن السوري، وسط ضعف الدعم وقلة البدائل.
أما أسعار المواد الغذائية، فرغم وجود مخزون وتصنيع محلي واستيراد مباشر من تركيا، إلا أن الأسعار سترتفع بفعل كلف النقل والطاقة وسعر الصرف، ما يزيد من حدة التضخم ويؤثر مباشرة على معيشة الناس. ومن المرجح أن يخترق الدولار حاجز الـ 15 ألف ليرة سورية، إذ أن العرف الاقتصادي في سوريا يجعل من الدولار والذهب ملاذين آمنين عند أي توتر أو تهديد خارجي. هذا الانخفاض في قيمة الليرة سيضاعف كلف الاستيراد، ويعمّق فجوة الفقر وغياب الاستقرار النقدي.
ورغم قساوة هذه التحديات، فإن الأزمة تفتح الباب أمام مفارقة إيجابية؛ إذ تعيد تسليط الضوء على أهمية الطاقة البديلة. فالطلب على المنظومات الشمسية والبدائل المستدامة سيرتفع، وقد نشهد توسعا في استخدامها على مستوى الأفراد والمؤسسات، ليس بدافع بيئي فقط، بل بدافع الضرورة الاقتصادية وتراجع الاعتماد على الوقود الأحفوري.
العالم يواجه حربا جديدة في منطقة مشتعلة أصلا، لكنها هذه المرة لا يمكن أن تُدار أو تُحتوى بسهولة، لأن الأسواق في حالة إنهاك. وإذا لم يتم تثبيت التهدئة، فإن ارتدادات هذه الحرب لن تكون محصورة بين طهران وتل أبيب، بل ستطال كل بيت، وكل مائدة، وكل جيب… في دمشق، وفي بروكسل، وفي واشنطن على السواء.
ويبقى السؤال الأبرز: كيف ستتصرف الحكومة السورية المختصة بمواجهة الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة أصلًا؟
بقلم: عامر ديب- رئيس مجلس النهضة السوري