في عصر تتسارع فيه التغيرات وتتزايد فيه التحديات يبرز سؤال جوهري من يصنع الوعي المجتمعي… هل هو الإعلام أم التعليم؟ والإجابة الدقيقة أن كليهما يشكلان ركيزتين أساسيتين في بناء وعي الإنسان وتشكيل شخصيته وانتمائه لكن لكل منهما طريقته وأثره ودوره الخاص مما يجعل العلاقة بينهما علاقة تكامل لا تنافس.
الإعلام الهادف لم يعد مجرد وسيلة لنقل الأخبار بل تحول إلى قوة مؤثرة في تشكيل العقول والتوجهات فهو يسعى إلى غرس قيم المواطنة وتعزيز مفاهيم التعايش والتسامح وترسيخ الشعور بالولاء للوطن والانتماء للمجتمع الإعلام أيضا يعرف المواطن بحقوقه وواجباته ويحافظ على تماسك المجتمع من خلال بث الوعي الجماعي وتنمية المسؤولية الفردية.
ولعل أبرز الأمثلة على هذا الدور التوعوي ما قام به الإعلام خلال جائحة كورونا إذ قدم حملات تثقيفية عبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي للتوعية بطرق الوقاية مثل لبس الكمامات غسل اليدين والتعقيم وأهمية أخذ اللقاحات كما تسهم البرامج التربوية والتعليمية التي تعرضها الوسائل الإعلامية في تعزيز الروابط الأسرية وترسيخ قيم المحبة والاحترام بين أفراد المجتمع.
ويتميز الإعلام بقدرته الهائلة على الوصول السريع إلى الجماهير وتأثيره المباشر والفوري على الرأي العام وسلوك الأفراد وذلك من خلال استخدامه لمؤثرات جذابة مثل الصور الفيديو والموسيقى كما أن الذكاء الاصطناعي بات يلعب دورا متزايدا في تحسين جودة المحتوى الإعلامي من خلال تحليل البيانات وتوليد الأخبار بشكل أسرع بل وحتى التنبؤ بالأحوال الجوية.
إلا أن للإعلام جانبا سلبيا أيضا فاستخدامه في الترويج لأجندات سياسية أو اقتصادية معينة قد يؤدي إلى نقل صورة مشوهة عن الواقع ويؤثر سلبا على وعي المتلقي كما أن الإفراط في استخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قد يسبب مشاكل صحية كالسمنة أو اضطرابات النوم فضلا عن آثار نفسية كالاكتئاب والعزلة الاجتماعية لا سيما بين الشباب والأطفال.
في المقابل يأتي التعليم كأداة أكثر عمقا وديمومة في بناء الوعي الفردي والجماعي فالتعليم لا يقتصر على نقل المعرفة بل يسهم في تنمية التفكير النقدي وتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية مما يساعد في بناء شخصية متكاملة قادرة على اتخاذ قرارات صائبة.
ومن أبرز مساهمات التعليم في تنمية المجتمع ما تقوم به برامج محو الأمية خصوصا في المناطق الريفية حيث ترفع من مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي كما تكرس المؤسسات التعليمية القيم الدينية والاجتماعية كالصدق الاحترام التعاون والانضباط ما ينعكس بشكل إيجابي على سلوك الأفراد داخل الأسرة والمجتمع.
ويمتاز التعليم بالاستمرارية والتدرج إذ يبدأ من الطفولة ويستمر عبر مراحل الحياة ويمنح الفرد أدوات التحليل والتمييز بين الحقيقة والتضليل ومع دخول الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم ظهرت أنظمة تعليم ذكية تقوم بدور المعلم الرقمي القادر على شرح المحتوى الإجابة عن الأسئلة وتحليل أداء الطلاب لكن رغم هذه الفوائد هناك تحديات يجب التنبه لها مثل الاعتماد المفرط على التقنية وتراجع المهارات الإنسانية والإبداعية.
إن العلاقة بين الإعلام والتعليم ليست تنافسية بل تكميلية فالإعلام يزود المتعلم بالمعلومات ويجعل التعليم أكثر ارتباطا بالواقع بينما يبني التعليم عقلا قادرا على التفكير والتمييز وعندما يكون لدينا تعليم قوي يعلم الناس كيف يفكرون فإن الإعلام الواعي يساعدهم على معرفة ما يفكرون فيه وبذلك يصبح الاستثمار في تعليم جيد وإعلام مسؤول هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع واع متماسك وقادر على صناعة مستقبل أفضل.
أميرة الحسون- عضوة المجلس المركزي في حزب للوطن السوري.