لا يمكن الحديث عن مسار الثورة السورية وبناء مستقبل البلاد دون التوقف عند الدور الجوهري الذي لعبته المرأة السورية خلال سنوات الصراع والتحول السياسي فمنذ انطلاق الحراك الشعبي عام 2011 كانت النساء في طليعة المشاركين ، ليس فقط من خلال الاحتجاجات والمبادرات المدنية بل أيضا في صياغة رؤى جديدة لمجتمع تسوده العدالة والمساواة
في شمال وشرق سوريا برزت المرأة كقوة فاعلة في مختلف الميادين واستطاعت أن تشكل تجربة متميزة في العمل المجتمعي والسياسي والمؤسساتي حيث لم تكتف بالمشاركة بل تسلمت مواقع قيادية وأسهمت بشكل مباشر في بناء نموذج ديمقراطي يعكس إرادة جميع مكونات المجتمع لقد كانت المرأة حاضرة بقوة في لجان الإدارة المحلية ومجالس اتخاذ القرار وفي المنظمات المدنية ووحدات الحماية المجتمعية وهو ما منح هذه التجربة بعدا فريدا في السياق السوري
ورغم التحديات التي فرضتها ظروف الحرب والقيود الاجتماعية التقليدية استطاعت المرأة أن تتجاوز تلك الحواجز عبر التنظيم والعمل الجماعي والمثابرة فقد لعبت أدوارا محورية في التصدي للعنف والتطرف وأسهمت في تحقيق الاستقرار النسبي في مناطق عديدة كما ساهمت في حماية النسيج الاجتماعي وتعزيز قيم التعايش والشراكة
لكن مع ذلك لا تزال المرأة السورية تواجه تهميشا واضحا في المسارات السياسية الوطنية لا سيما في مؤسسات الحكم الانتقالي والجهود الدولية الساعية إلى صياغة مستقبل سوريا إذ غالبا ما يتم تغييبها عن طاولات التفاوض واتخاذ القرار رغم أن تجربتها على الأرض أثبتت أنها عنصر لا غنى عنه في أي عملية تحول ديمقراطي حقيقي
في ظل هذه المعطيات تبرز الحاجة الملحة إلى ضمان تمثيل عادل وفعّال للمرأة في الدستور السوري الجديد وفي مؤسسات الدولة المقبلة ليس فقط كحق مشروع بل كضرورة لبناء مجتمع متوازن وشامل إن تمكين المرأة لا يجب أن يقتصر على الشعارات بل ينبغي أن يُترجم إلى سياسات واضحة وممارسات ملموسة تضمن مشاركتها بنسبة عادلة في الحياة العامة وصناعة القرار
المرأة السورية اليوم تحمل تجربة غنية في ميادين النضال المدني والسياسي والاجتماعي وهي مستعدة لأن تكون شريكة حقيقية في إعادة بناء وطنها إن تجاهل هذا الدور هو خسارة وطنية بكل المقاييس فمجتمع لا يعطي المرأة حقها في القيادة هو مجتمع يعيد إنتاج أزماته ويقصي نصف طاقاته
المستقبل الذي نطمح إليه هو مستقبل تشاركي يحترم الكرامة الإنسانية ويضمن الحقوق المتساوية للجميع والمرأة السورية كانت وستبقى جزءا لا يتجزأ من هذا المستقبل
راية عليوي- رئيسة مكنب المرأة في حزب الوطن السوري.