العشيرة مجموعة من البشر ينتمون إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى، وغالبا ما يتكنون بكنية هذا الجد، وتتكون من عدة بطون أو من عوائل، وغالبا ما يسكن أفراد العشيرة إقليما مشتركا يعدونه وطنا لهم، يتحدثون بلهجة مميزة، ولهم ثقافة واحدة.
والعشيرة هي المكون الرئيسي للقبيلة، وتحالف عدة عشائر يكون القبيلة، وشرط العشيرة أن يتكون أفرادها من نسب واحد، بعكس القبيلة، فقد تتكون من عدة عشائر من أنساب واحدة أو من أنساب مختلفة الجد.
وأهل العشائر يعدون القبيلة نظاماً اجتماعياً سياسياً قائماً بقوانينه وأعرافه، بصورة تختلف عن قوانين الدولة، والتي يصفونها بأنها قوانين وضعية، واستطاعت القبائل بهذه الأعراف والقوانين أن تلعب في الماضي دوراً مهماً في المحافظة على الأمن وحماية الوطن.
يذهب البعض بعيداً وكأن العشائر قد منعت الأحزاب من القيام أو صادرت دورها وأعاقت الديمقراطية، وعادة يسهب بعض الكتاب في الغمز من قناة العشائرية كعامل سلبي في الانتخابات والسياسة والحياة العامة.
ولو تفحصنا الاسماء الحزبية المعروفة منذ نشأة الأحزاب في بلدنا، لوجدنا أكثرهم من أبناء العشائر والعائلات المعروفة في بلادنا، فالعشائر عائلات كبيرة، تجمع بينها القربى وصلة الدم والأنساب والتواصل الإنساني والجوار وهي معين يخرج منه متعلمون من كل لون من ألوان المعرفة، والدُربة والخبرة، عسكريون واكاديميون، وإداريون وبرلمانيون، وحرفيون، زراع وصناع، وحزبيون وعقائديون.
العشيرة ليست عائقا أمام العلم أوالسياسة، أو تنظيم المجتمع، أو قيام الأحزاب أو تقدم الديمقراطية، وفيها من الغيرة والنخوة ما يجعلها أن وظفت بشكل جيد، معيناً للوطنية، وطيب الشمائل والسلوك الوطني العميد وليس في عشائرنا عصبيات جاهلية، ولا حدة في التعامل مع الاخرين، بل سماحة وتسامح، نشهد ذلك في الملمات والحوادث التي تلحق الأذى في الناس، حيث يتداعى الناس لإصلاح ذات البين، والتعاون على تضميد جراح المجتمع.
فالعشائر في بلدنا وفي العديد من مجتمعاتنا العربية مرجعيات لأنسابنا ومكارم الأخلاق والنبل في بلادنا، وهي مستودع لوطنيتنا ومعاني ديننا وقيم أمتنا ومعين لنصرة بلادنا ووطننا، هي انتشارنا في الأرض مواطنون أولا، وأبناء عمومة وجيران وأنسباء، وحمى اجتماعي في هذا الوطن الجامع، الذي يستظل به كل من لاذ بحماه أو استجار به أو استحب جواره.
ليس في جذر العشائرية عندنا من السياسة سوى محبة للوطن والفزعة له والتضحية في سبيله والبذل في سبيل حقوقه وسعي الكثيرين من أبنائها لأن يكونوا رجال سياسة أو فكر أو إدارة أو مجتمع وفق اجتهاداتهم وقدراتهم على التنافس والأداء.
وبناءاً على ما سبق نؤكد أن العشيرة كيان اجتماعي ولبنة كبيرة في المجتمع وليست مرجعية سياسية ولو كانت وهي غير ذلك لكان لكل عشيرة مشرب سياسي ولتعددت المشارب وانقسمت أهواء الناس في أهواء السياسة فما هي إلا مرجعية اجتماعية تحفظ تناغم المجتمع وتنظمه ولا تعيق تقدمه وتحترم تقاليد الشرف والتسامح والدين فيه ويرقى أهلها بالعلم والتعليم كما يرقى غيرهم، وخرجت عشائرنا تدريجيا عن عنعنات العصبية ودخلت في الولاء للوطن وعززت فيه السلم الأهلي الذي يبني علاقات المجتمع في إطار من الوطنية الجامعة وتمازج الناس في وطن واحد.
وكما أن المجتمع في المدن ناس من الناس ومن أبناء العائلات صغيرها وكبيرها فهو في القرى والارياف ناس من ناس العشائر لا يختلفون في الوعي والولاء وطلب العلم والاجتهاد والبذل عن غيرهم من الناس.
فهم من أسباب قوة الدولة ونخوتها الوطنية أينما وجدوا وفي عصبها ولحمتها أينما تطلب الأمر ليسوا أعرابا على هامش الوطنية كما يتصور البعض بل مواطنون أشداء في صلبه وجزء أساسي من نسيجه وهم بعض ملامح صورته وتكوينه لا تكتمل الصورة إلا بوجودهم ودورهم ولا يكتمل وجودهم إلا بالتماهي في صورة الوطن ومعناه.
العشائر السورية ليست أحزاباً ولا عقائد وإن كان من أبنائها أصحاب فكر واجتهاد سياسي وفكري مثل غيرهم من أبناء الوطن، وهم يمتازون عن غيرهم، أن أكثرهم يقيسون حضورهم في العمل الوطني، والعمل العام بالمسلك الذي يشرف سمعة عشائرهم وعائلاتهم وبالتالي وطنهم، فالعشائر، ليست سُبّة، يعزى إليها أخطاء الافراد، من أبنائها، أو إهمال الدول لبعض أطراف المجتمع مما يخلق حالة سلبية أحياناً في صفوفهم، بل حالة اجتماعية فيها من الحمية وإيثار الوطن وتقديم الكوادر الواعية في سبيل نهوضه، ما يجعلها قاعدة قوية في وطن متراحم، يتشارك جميع أبنائه في إعلاء بنائه وتقدمه وفق معايير العصر.
العشائر في مجموعها، هي جذور الوطن الممتدة في الأمة، وتاريخها، وامتدادها، أنساباً متصلة من الماضي الى الحاضر، فعشائر العرب هي التي احتضنت الدين والوطنية وحاربت تحت الويتها الخاصة بحالة تنظيمية رصينة تمكنت خلالها من تحقيق انتصارات يشهد لها التاريخ والحاضر.
ونحنُ ومن هذا المنبر السوري وبكل أطيافه ومكوناته وإدراكاً منا بالمسؤولية المشتركة الملقاة على عاتقنا فإننا ندعو جميع السوريين على نبذ العنف والتطرف والنزاعات الداخلية بين أبناء الوطن السوري الواحد حِفاظاً على اللُحمة الوطنية، وخلقِ بيئات ومناخات آمنة وفاعلة للجلوس حول طاولة الحوار السوري السوري، وعقدِ مُلتقى وطني جامع نضعُ فيه المصلحة السورية العُليا وقضايانا الوطنية فوق كل اعتبار، وعليه نرى أن هذا الدور منوط بكافة مكونات الشعب السوري وخاصة المكون العشائري كإطار سياسي واجتماعي جامع يضم أحزاباً وكيانات اجتماعية وإثنية وشخصيات وازنة تستطيع أن تكون مظلة سورية وطنية جامعة تحقق الحرية والعدالة والكرامة.
بقلم:
رئيس مكتب شؤون العشائر في حزب الوطن السوري _ الشيخ عبد الرزاق الملحم