تعَدّ مشاركة المرأة في الحياة السياسية قضية جوهرية تعكس مدى تطور المجتمعات والتزامها بمبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فوجود المرأة في مواقع اتخاذ القرار ليس مجرد مطلب حقوقي أو شعار يرفع في المناسبات، بل هو مؤشر حقيقي على مدى تكافؤ الفرص وسعي المجتمعات نحو التنمية والاستقرار. فالمرأة، التي تشكل نصف المجتمع، لا يمكن إقصاؤها أو تهميش دورها في عمليات صنع القرار، لأن أي سياسة أو خطة تنموية تغيب عنها المرأة ستكون ناقصة وغير مكتملة، وغير قادرة على تلبية احتياجات المجتمع بكل فئاته.
تلعب المرأة دورًا محوريًا في دعم التنمية الشاملة من خلال إسهامها في تحسين المستوى السياسي والاجتماعي، ليس فقط لنفسها، بل للمجتمع بأسره. وعندما تتبوأ مواقع قيادية، تتغير التصورات المجتمعية حول أدوارها، مما يسهم في كسر الصور النمطية التي لطالما حصرتها في أدوار محدودة. إن وجودها في الحياة السياسية يعزز قبولها في المجتمع كمواطنة فاعلة، ويزيد من فرص تحقيق المساواة بين الجنسين، مما يفتح الباب أمام أجيال جديدة من النساء للمشاركة بفعالية في الحياة العامة.
وفي هذا السياق، فإن تمكين المرأة سياسيا يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية، حيث تتزايد الجهود الدولية لدعم هذا التوجه، كما تجسدته الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أكدت على ضرورة مشاركة المرأة في مختلف مجالات الحياة العامة. ومن خلال هذه الاتفاقيات، تمكنت العديد من الدول من تطوير قوانين تضمن حقوق المرأة في الترشح والتصويت، إضافة إلى دعم وصولها إلى المناصب القيادية في الأحزاب السياسية والحكومات والبرلمانات.
تُعتبر مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار عاملاً أساسيا في تحسين نوعية السياسات العامة، إذ تسهم في وضع قضايا المرأة والأسرة ضمن الأولويات الحكومية. فوجودها في البرلمانات والمجالس التشريعية يتيح لها الفرصة للدفاع عن حقوق النساء، والمطالبة بسياسات تعزز المساواة في فرص العمل والتعليم والخدمات الصحية. كما أن تواجدها في مواقع المسؤولية يعزز من إدماج القضايا الاجتماعية والاقتصادية ضمن أجندة العمل السياسي، مثل محاربة الفقر، وتطوير قطاع التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، ودعم الفئات المهمشة.
وعلاوة على ذلك، فإن المرأة، عندما تشارك في الحياة السياسية، تساهم في تغيير القوانين والسياسات التي قد تكون مجحفة بحقها، وتعمل على تعديل القوانين التي تعيق تقدمها، مثل تلك التي تتعلق بحقوق العمل، والإجازات الأسرية، وحماية المرأة من العنف. فهناك العديد من التجارب العالمية التي أثبتت أن النساء السياسيات يكنّ أكثر حساسية تجاه قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وهو ما يسهم في تحقيق مجتمع أكثر توازنًا وعدلاً.
إلى جانب دورها السياسي المباشر، تلعب المرأة دورا محوريًا في تفكيك التصورات النمطية التي فرضها المجتمع عليها لعقود طويلة. إذ تمثل مشاركتها في صنع القرار خطوة نحو تحريرها من القيود الاجتماعية التي قد تعيق تطورها. فزيادة تمثيلها السياسي يساهم في تغيير الصورة التقليدية عنها، مما يمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إنصافا وتقدما .
ولا تقتصر أهمية مشاركة المرأة في السياسة على الجوانب النظرية فقط، بل تمتد إلى أبعاد عملية تتعلق بالحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز القيم المجتمعية. فالمرأة، بصفتها أماً ومربية وقائدة، قادرة على لعب دور أساسي في دعم الترابط الاجتماعي وترسيخ المبادئ التي تعزز وحدة المجتمع وتماسكه. كما أن انخراطها في السياسة يسهم في نشر قيم المواطنة والانتماء، ما يجعلها عنصرًا أساسيا في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
على الرغم من كل التقدم الذي تحقق في مجال تمكين المرأة سياسيا، لا تزال تواجه العديد من العوائق التي تحدّ من مشاركتها الفعالة. ومن أبرز هذه العوائق التقاليد الاجتماعية التي تكرّس أدوارًا نمطية تحصر المرأة في نطاق الأسرة، إضافة إلى غياب الدعم السياسي والاقتصادي الذي يمكنها من الترشح للمناصب العامة. كما أن هناك تحديات أخرى مثل التمييز في القوانين الانتخابية، وغياب سياسات واضحة لتمكين النساء داخل الأحزاب السياسية، إضافة إلى العنف السياسي الذي قد تواجهه النساء خلال حملاتهن الانتخابية أو أثناء توليهن المناصب.
لمواجهة هذه التحديات، يجب العمل على تعزيز التوعية بأهمية مشاركة المرأة في السياسة، ووضع سياسات حكومية تضمن تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في الترشح والانتخاب، إضافة إلى دعم النساء بالبرامج التدريبية والتأهيلية التي تساعدهن على قيادة العمل السياسي بكفاءة.
ختاما، لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية دون مشاركة حقيقية وفاعلة للمرأة في السياسة. فهي ليست فقط نصف المجتمع، بل شريك أساسي في رسم ملامح المستقبل وصياغة سياسات أكثر عدالة وشمولا. لذا، فإن تمكين المرأة سياسيا ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لبناء مجتمع متوازن قادر على مواجهة تحديات العصر وتحقيق مستقبل أكثر إشراقا للجميع. إن دعم المرأة في السياسة هو استثمار في مستقبل أكثر عدلاً، ووسيلة لتحقيق مجتمع أكثر تقدما، حيث يكون للجميع صوت مسموع وفرصة متكافئة للمساهمة في بناء الوطن.
راية عليوي- رئيسة مكتب المرأة بحزب الوطن السوري.