في ظل ظروف استثنائية يعيشها المجتمع السوري منذ أكثر من عقد من الانهيار الاقتصادي والأزمات الإنسانية المتلاحقة، تبرز قضية وضع المرأة السورية كمحورٍ معقد يجمع بين المعاناة اليومية والصمود غير العادي. بمناسبة **اليوم العالمي للمرأة**، يصبح من الضروري تسليط الضوء على واقع المرأة السورية الذي يتشكل بين ثقل التحديات وقوة التحدي، بين التراث الاجتماعي ومحاولات التحرر، وبين الدمار وبناء الأمل.
لذا ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، تحملت المرأة عبئاً مضاعفاً كمعيلة للأسرة في غياب الذكور لكن فرص العمل المتاحة لها غالباً ما تكون في قطاعات غير رسمية بأجور متدنية، دون حماية قانونية.
كما أن القوانين السورية، الخاصة في مجال الأحوال الشخصية، لا تزال تحمل تمييزاً ضد المرأة في قضايا الميراث والطلاق وحضانة الأطفال، كما أن العادات الاجتماعية التقليدية تحدّ من مشاركتها في صنع القرار داخل الأسرة أو المجتمع لكنها وعلى الرغم من الصعوبات، نجحت المرأة السورية في اختراق أدوار نمطية متعددة:
حيث برزت ناشطات سوريات في الداخل والخارج في الدفاع عن حقوق الإنسان، وساهمن في جهود بناء السلام، كما قادت النساء حملات لمحو الأمية وإنشاء مدارس بدائية ، كما أسسن مشاريع صغيرة لتمكين اقتصادي، مثل مشاغل الخياطة أو الزراعة المنزلية وكسرت العديد من النساء حاجز الصمت حول العنف الأسري عبر حملات توعوية.
ففي الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمرأة تحت شعارات مثل “الكسر_التحيز” أو “المساواة الآن” تظل المرأة السورية تواجه تحدياتٍ تتجاوز الخطاب الرمزي حيث أنها لا تزال تُستبعد غالباً من المفاوضات السياسية الدولية حول سوريا، رغم قرار مجلس الأمن ذي الرقم 1325 الذي يؤكد على دور المرأة في بناء السلام علماً أن العقوبات الدولية جعلت المرأة السورية تدفع الثمن خصوصاً مع تدهور الخدمات العامة، وهو ما زاد من معاناة النساء كمسؤولات عن إدارة شؤون الأسرة الصحية والتعليمية.
ففي ظل هذا الواقع لا تزال بعض المنظمات النسوية السورية تبذل جهوداً لتعديل القوانين المجحفة، مثل المطالبة بتعديل قانون الجنسية لمنح المرأة حق منح الجنسية لأطفالها، أو تعديل قانون العقوبات لتجريم الاغتصاب الزوجي. لكن هذه الجهود كانت تصطدم بسياسات النظام السوري التي ترفض إصلاحات جذرية على الدستور حينها لكن اليوم لا زال المستقبل قاتم تجاه هذه القضايا بعد سقوط النظام ووجود افكار متطرفة تحد من حركة المرأة.
فوضع المرأة السورية اليوم هو مرآة تعكس تناقضات الواقع السوري بكل تعقيداته: فبينما تُعتبر من أكثر نساء العالم عرضة للانتهاكات، فهي أيضاً مثال على المقاومة الهادئة التي تبني الحياة من بين الركام. في اليوم العالمي للمرأة، تحتاج السوريات إلى أكثر من الشعارات؛ يحتجن إلى دعم ملموس إلى ضمان مشاركتهن في صنع مستقبل سوريا فالثورة السورية علمتنا أن المرأة ليست صوتاً هامشياً، بل هي صانعة التغيير.
الدكتورة فاتن احسان نظام- دكتوراه في العلاقات العامة وتنمية المهارات الحياتية