عندما اندلعت الاحتجاجات في سوريا عام 2011، ساد انطباعٌ محليٌ ودوليٌ بأن النظام السوري لن يصمد طويلا ، وأن سوريا ستنضم سريعًا إلى موجة التغيير التي شهدتها دول “الربيع العربي”. ترجمت هذه القناعة محليًا إلى توسع مطرد في رقعة الاحتجاجات، بينما اتخذت الأطراف الإقليمية والدولية خطوات سريعة تعاملت مع مسألة سقوط النظام كأمر واقع، من قطع العلاقات الدبلوماسية وفرض العقوبات، إلى تسليم مقعد سوريا في الجامعة العربية للمعارضة.
ولكن بعد مرور ثلاثة عشر عاما على بدء الحراك، بات واضحًا أن الأزمة السورية ليست مجرد انعكاس لتجارب دول أخرى، بل أصبحت واحدة من أكثر التحديات تعقيدا على المستويين السياسي والإنساني عالميًا. وعلى الرغم من جهود الوساطة الدولية والمساعدات الإغاثية التي بذلت على مدى سنوات، لا يزال الحل السياسي بعيد المنال.
تعقيدات الحل السياسي
لطالما اختُزل مأزق الحل السياسي السوري في معادلة ثلاثية: تضارب أجندات القوى الدولية والإقليمية، وتعنت النظام السوري في التمسك بالسلطة، وعلو سقف طموحات المعارضة. لكن هذه التوصيفات السطحية لا تعكس حقيقة التعقيد الذي يكتنف المسار السياسي.
منذ صدور بيان جنيف في عام 2012، الذي حدد خريطة طريق للحل السياسي من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالي، وحتى المبادرات الدولية اللاحقة، مثل مسار أستانا وسوتشي، لم تُترجم أي من هذه الجهود إلى تقدم ملموس. بل إن كل مبادرة باتت تكرس الانقسام بين الأطراف السورية بدلا من معالجته.
ورقة “اللاورقة” التي ظهرت لاحقا كاقتراح لمقاربة أكثر مرونة للحل السياسي، جاءت لتؤكد حالة الجمود. بدلاً من الالتزام بخطة عمل واضحة، أصبحت المحادثات أقرب إلى محاولات لتأجيل التوصل إلى حل شامل، حيث يتمسك كل طرف بمواقفه دون تقديم تنازلات جوهرية.
أزمة الأجندات الخارجية
إحدى أبرز معضلات الأزمة السورية هي تشابك المصالح الدولية والإقليمية. فالصراع في سوريا لم يعد شأنا داخليا ، بل تحول إلى ساحة مواجهة بين قوى كبرى، لكل منها أهدافها الخاصة.
الولايات المتحدة وحلفاؤها ركزوا على تقويض النفوذ الإيراني والروسي.
روسيا، من جانبها، سعت لتعزيز مكانتها الدولية ودعم النظام السوري كحليف استراتيجي.
تركيا انخرطت في الصراع بذرائع أمنية، ولكن أهدافها الأعمق تتعلق بتوسيع نفوذها الإقليمي.
أما إيران، فترى في سوريا جسرا استراتيجيا يربطها بحلفائها في المنطقة.
رؤية حزب الوطن السوري
وسط هذا المشهد المعقد، يبرز صوت حزب الوطن السوري كأحد الأصوات التي تنادي بحل الأزمة السورية من الداخل، بعيدًا عن تدخل الأجندات الخارجية. يؤمن الحزب بأن الحوار السوري-السوري هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم يضمن سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
إن الحل الذي يعتمد على إملاءات القوى الخارجية لن يكون مستداما بل سيفرض تسويات لا تخدم سوى مصالح الأطراف الدولية على حساب السوريين أنفسهم. لذلك، يدعو الحزب إلى استئناف المحادثات الداخلية التي تركز على تلبية تطلعات الشعب السوري، مع احترام التعددية والحريات وحقوق الإنسان.
سوريا اليوم ليست فقط ضحية لصراعات داخلية، بل هي أيضا مسرح لتصفية الحسابات الدولية. ومع استمرار جمود الحل السياسي، تزداد معاناة الشعب السوري وتتعقد فرص إعادة بناء الدولة.
إن التمسك بالحوار السوري-السوري دون تدخل خارجي هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يضمن مستقبلا مستقرا وآمنا لسوريا، وهو ما يظل في صميم رؤية حزب الوطن السوري.
بقلم رئيس مكتب الشباب في تل براك: نصار الحسن