تحدث المنسق العام لاتحاد الشباب الثوري، الأستاذ محمد خليل، في لقاء خاص مع المكتب الإعلامي لحزب الوطن السوري، عن آخر التطورات في إدلب والأوضاع العسكرية والسياسية في المنطقة. وأكد خليل أن الأوضاع العسكرية في إدلب شهدت مؤخراً تطورات خطيرة لم تشهدها المنطقة منذ اتفاق خفض التصعيد قبل أربع سنوات، حيث قامت القوى الفاعلة في المنطقة مثل الاحتلال التركي والنظام السوري وفصائل المعارضة بتعزيز قواتها في مناطق الاشتباك. كما أشار إلى أن الفترة الماضية شهدت ترويجاً إعلامياً من قبل كل من النظام السوري وفصائل المعارضة حول معركة كبرى قادمة قد تغير خارطة السيطرة في المدينة، مع تزايد القصف من قبل قوات النظام على المدنيين في المنطقة الجنوبية.
وأكد خليل أن هذه التحركات والقصف المستمر تهدد حالة الاستقرار الجزئي التي كانت تنعم بها المنطقة. وأضاف أنه لا يمكن الجزم بجدية تلك الشائعات بشكل كامل، مشيراً إلى أن اجتماعاً جديداً لمسار أستانا سيعقد قريباً، وهو الذي يحكم ويحدد توزيع القوى في المنطقة.
أما بالنسبة للوضع السياسي، فقد لفت خليل إلى استمرار الحراك الشعبي ضد هيئة تحرير الشام منذ أكثر من ستة أشهر، حيث تشهد المنطقة مظاهرات في العديد من البلدات. وأوضح أن بعض القوى الوطنية الموجودة في المنطقة تحاول تنظيم نشاطات لتحسين الوضع السياسي، لكنها تواجه تعنتاً من الجناح السياسي لهيئة تحرير الشام، المتمثل بحكومة الإنقاذ.
وعن التحركات التركية في المنطقة، أشار خليل إلى أن الهدف الرئيسي لها هو تعزيز نقاط المراقبة المنتشرة على امتداد المنطقة، إضافة إلى الضغط على هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) لمنع قيامها بما يهدد اتفاق خفض التصعيد المتفق عليه في مسار أستانا. وأوضح أن هذه التحركات تأتي توازياً مع التصريحات التركية حول استعدادها للقيام بمعركة في شمال شرق سوريا، وكذلك سعيها لتأمين الطريق الدولي M4، قد تؤدي إلى تعزيز نفوذ الجيش الوطني في المنطقة على حساب هيئة تحرير الشام.
فيما يتعلق بمستقبل المنطقة، توقع خليل أن تشهد إدلب تحولات جذرية في توزع القوى بسبب الأحداث الدولية والإقليمية المؤثرة على الوضع المحلي. وذكر أن وصول المرشح الجمهوري (دونالد ترامب) إلى السلطة في الولايات المتحدة والحرب الإسرائيلية على ما يسمى محور المقاومة، بالإضافة إلى اجتماع أستانا، قد يؤثر بشكل مباشر على المشهد في إدلب. واعتبر أن هذا قد يؤدي إلى تقدم النظام السوري في المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة جنوب الطريق M4، وهو ما قد تقوضه الجهود الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة لخفض النفوذ الإيراني في المنطقة.
كما أضاف أن تركيا قد تسعى إلى دفع حكومة الائتلاف (الحكومة المؤقتة) وحكومة الإنقاذ إلى تشكيل كيان سياسي واحد يدعم الجهود التركية في التطبيع مع النظام السوري، وهو ما يظهر جلياً في القرارات التي أصدرتها وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة بحل بعض الفصائل غير المنصاعة للتعليمات التركية بشكل كامل.
وذكر خليل أن المنطقة لا تزال تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان وصراعات على النفوذ بين الفصائل، بدفع من تركيا التي تدعم بعض الفصائل مقابل أخرى. وأوضح أن تركيا تواجه صعوبة في تطبيق سياساتها في التطبيع مع النظام على الشعب، حيث يواصل الأهالي رفض هذه السياسات، ما يتجسد في استمرار اعتصام الكرامة في مدينة إعزاز وخيمة الاعتصام أمام معبر أبو الزندين. وأشار إلى أن تركيا تسعى لتقوية فصائل موالية لها من أجل فرض هذه السياسات على الشعب، فيما تواصل هذه الفصائل سياسة الإفقار عبر فرض الضرائب على المحاصيل الزراعية والتضييق على المدنيين.
وأوضح خليل أن المشهد في إدلب هو انعكاس للسياسات الدولية، حيث تقوم دول إقليمية ودولية بدعم قوى سياسية وعسكرية موالية لها بهدف فرض سياساتها على المنطقة، دون مراعاة للأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعاني منها الشعب السوري. وأضاف أن هذه القوى تسعى إلى تغيير ديموغرافي على حساب الملايين من المهجرين السوريين الذين لا يزالون في المخيمات. ورغم ذلك، تواجه القوى الوطنية في المنطقة صعوبات كبيرة في القيام بأي خطوات حقيقية نحو الحل السياسي الشامل، حيث تحارب القوى الخارجية كل من يتبنى خطاباً وطنياً بعيداً عن الأيديولوجيات الخاصة بها.
وأشار خليل إلى أن غياب الإرادة الوطنية في إدلب يعد من أبرز الأسباب التي تقف عائقاً أمام الوصول إلى حل سياسي. وأكد أنه لا يمكن لجميع الأطراف التوصل إلى صيغة حل نهائية ما لم يشارك فيها الوطنيون من أبناء المنطقة. وأضاف أن إدلب، باعتبارها مأوى للعديد من المهجرين من مختلف المناطق السورية، تشكل خزاناً بشرياً هائلًا، مما يجعل التواصل مع القاطنين فيها ضرورة ملحة لإنجاح أي حل سياسي شامل. وأوضح أن الخطوة الأولى نحو الحل السياسي في سوريا تكمن في توحيد الرؤية السياسية بين مناطق الشمال السوري (إدلب والشمال الشرقي).
في ختام حديثه، أكد خليل أن الفصائل المسلحة المتواجدة في إدلب ليست سوى أدوات في يد دول إقليمية ودولية، حيث ينقسم قادتها إلى نوعين: الأول مرتزقة أغرتهم بعض الدول بالمال، والثاني عملاء دوليون أرسلتهم دولهم لتحقيق مصالحها. وأشار إلى أن هذا الوضع أدى إلى تدمير الشباب السوري عبر ترويج المخدرات وعمليات التهريب، إضافة إلى حالة العصابات السائدة بين الفصائل وخروجهم عن القانون، حيث لا سلطة قضائية تحكمهم، وكل من يعارضهم يتعرض للاغتيال أو الاختطاف.
وفيما يخص ملف النزوح والتهجير، شدد خليل على أن هذا الملف لا يمكن حله إلا من خلال الحل السياسي الشامل على مستوى سوريا. وأكد أن جميع الحلول التي تطرحها الدول ليست ذات جدوى على المدى البعيد، إذ لا يمكن الاستمرار في هذا الازدحام السكاني دون أن يؤدي ذلك إلى أزمات على جميع الأصعدة.