مع تواصل الاحتجاجات السلمية التي تشهدها السويداء، جنوبي سوريا، وهي لا تزال تصر على المطالبة بالتغيير السياسي في عموم البلاد، وإيجاد تسوية سياسية للأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 13 عاما وفقا لقرارات الشرعية الدولية؛ وأبرزها القرار الأممي 2254، فإن العديد من الأسئلة يجري طرحها بشأن مستقبل ذلك الحراك، ومدى قدرة سلطات حكومة دمشق على احتوائه والسيطرة عليه.
الحراك السلمي في السويداء كان قد انطلق في السابع عشر من آب عام 2023 الماضي للمطالبة بشكل أساسي بتطبيق القرار الدولي رقم 2254، والذي يمهد لإنهاء الأزمة الدامية التي تشهدها البلاد منذ سنوات طويلة.
وتعتبر السويداء منطقة فقيرة وغير قادرة على إقامة مشروعات مستقلة، حسب ما يقول سكان فيها، وكانت تعتمد في السابق على أموال المغتربين وحصاد المواسم الزراعية، في حين أسهمت القروض الصغيرة في تأسيس مشروعات بسيطة، خاصة قبل الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها سوريا في العام 2011.
في السياق؛ يضطر الكثير من سكان المحافظة إلى الذهاب إلى دمشق وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق، طلبا للرزق أو الدراسة في إحدى الجامعات، أو للعلاج، وليس انتهاء بضرورة السفر عبر إحدى المطارات في العاصمة أو حلب أو اللاذقية؛ الأمر الذي يعرضهم للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لقوات حكومة دمشق.
الحراك في السويداء كمحافظة (مدينة وأرياف) مستمر منذ عدة أشهر رغم محاولات حكومة دمشق الالتفاف عليه بكل الوسائل ومنها المحاصرة الاقتصادية، ولكنها فشلت إلى حد الآن، فدمشق لم تستطع أن تفعل بالسويداء كما فعلت بالمحافظات الأخرى كون معظم سكانها ينتمون إلى أقلية دينية، وبالتالي لا تستطيع اتهام أبناءها بأنهم (تكفيريون وظلاميون)، خاصة وأنها ترفع شعار (حماية الأقليات).
وفي سيناريو متكرر بين الفينة والأخرى؛ فإن اعتقال حكومة دمشق لمواطنين من السويداء قبل أن ترد الفصائل المحلية باحتجاز ضباط وعناصر تابعا لقوات دمشق، يؤدي إلى أوضاع غير مستقرة قد تجر المنطقة في أي وقت إلى دوامة عنف.
بالمحصلة؛ فإن فقدان الثقة بالسلطة وبنزاهة القضاء أغلق كل أبواب الحلول القانونية والسلمية في وجه المتظاهرين مما أجبرهم على احتجاز ضباط في جيش قوات حكومة دمشق والشرطة مرات عديدة في سبيل إطلاق أبناءهم الذين يتم اعتقالهم على حواجز الجيش.
بينما حكومة دمشق لن تجرؤ على قصف تلك المحافظة بالصواريخ والبراميل المتفجرة كما فعلت مع مناطق أخرى في البلاد، لأنها غير قادر على إلصاق (تهمة الانضمام إلى مرتزقة داعش أو الإخوان) بهم.
كما إن هناك العديد من العوامل الأخرى التي تمنع دمشق من التصعيد في السويداء، ومنها وضعها الجغرافي وامتداد الطائفة الدرزية إلى إسرائيل ولبنان، وكي لا يثير حفيظة الغرب الذي يدعي حماية الأقليات، وأيضًا كي لا تثبت حكومة دمشق على نفسها بأنها تستهدف الأقليات ولا تحميها كما تدعي.
في الختام؛ فإنه من المتوقع استمرار الحراك في السويداء، الأمر الذي سوف يستدعي اختراع حكومة دمشق طرق جديدة للقمع بدل أن تلبي مطالب المتظاهرين المشروعة، كما إن المحتجين والمحتجات متمسكون إلى حد كبير بسلميتهم رغم محاولة السلطة وأذرعها دفع الناس إلى المواجهات العسكرية.
بقلم عضو المجلس المركزي محمد جفال