مما لا شك فيه أن المجتمعات تاريخياً وحاضراً لا تخفي الدور البارز للمرأة فهي الأم والمربية والعاملة والمعلمة وشريكة الحياة التي تمثل نصفها فالعائلة لو لم تكن المرأة تمثل فيها نصف هذه الشراكة لما تكونت الأسرة وضف على ذلك انها تتحمل أعباء مضاعفة في تكوين هذه الأسرة فهي من تلد الأطفال وتحتضنهم وتربيهم وتعلمهم ليصبحوا رجالاً يافعين ونساء فاعلات.
ولو وسعنا نطاق النقاش ليتحول من الأسرة التي تمثل مجتمعاً مصغراً الى المجتمع الأوسع الذي يشكل الوطن الجامع نرى أن الخطاب النسوي الجديد يتمحور حول التمثيل العادل والمساواة في التمثيل وهذا الحديث وإن كانت ركيزته الأساسية المواطنة الشاملة والمتساوية، لكن ليكون السؤال هنا ما الفائدة من إعادة تشكيل السرد والواقع لإدماج المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية بشكلٍ كمّي قائمٍ على العدد والنسبة؟.
في شمال وشرق سوريا وضعت البرامج والتشريعات للتمثيل العادل والمتساوي مع الرجل وهو ما نصت عليه المواثيق وعلى رأسها العقد الاجتماعي وهذا أمرٌ جيد وينم عن حالة وعيٍ كبيرة وإنجاز تاريخي تحقق للمرأة أسهم في ترسيخ نفوذها كونها عنصر فاعل في المجتمع.
لكن علينا ان نقف عند نقطة مفصلية وان نثبت كنساء أن هذا التمثيل وهذه النسبة خصوصاً في العملية السياسية وإن كانت جانب من جوانب المساواة بين الجنسين لكنها ليست مسألة تمثيل كمي فقط، بل يجب أن تتعدى ذلك، وان تثبت المرأة انها قادرة على التمثيل النوعي أيضاً وانها عنصر أساسي من عناصر الديمقراطيات القوية والمستدامة تتمتع بالقوة والحيوية في تشكيل السياسات العامة، والحكم، ونسيج الحياة السياسية ذاته.
تحديات كثيرة تعترض تحقيق هذا الهدف لكن كما يقال في علم الطب أن “التشخيص الصحيح للمرض هو نصف العلاج” نحن نمر اليوم في حالة لا بأس بها من النضج السياسي والتي باتت تعيشها المرأة وحققت ما حققته لكن ما زالت تحتاج الوعي الكافي الذي يقود الى التفوق النوعي على الواقع المعاش اليوم، فإن عملية النهوض في العملية السياسية تُعد من أعقد وأصعب القضايا نظرا لتشابكها مع السياقات الاجتماعية والتاريخية والعرفية وغيرها من المعتاد في المجتمعات المتعايشة على الأرض.
إرادة المرأة الحرة أثبتت فاعليتها في الحراك الشعبي في عدد من البلدان وفي حالة الجمود والنمطية المبنية على التقاليد المحافِظة التي تهيمن على العقليات المجتمعية لكن هذا لم يشكل عائقاً أمام الاثبات الكمي للمرأة خصوصاً في الحراك الشعبي وتحقيق أهدافه يدا بيد مع الرجل وما حدث مؤخراً في السويداء خير دليل على ذلك عندما أثبتت المرأة حضورها ووجودها في ميادين التظاهر المطالبة بالتغيير وفي شمال وشرق سوريا أثبتت المرأة أن دورها محوري لكن لا زلنا نحتاج دوراً ريادياً في باقي المناطق السورية على امتداد جغرافية الوطن.
فما تم تحقيقه إلى الآن ولّد لدى مناصري قضايا المرأة تفاؤلا بأنها أوشكت أن تنتقل من موقع التابع إلى موقع الفاعل المؤثر بناءً على الحضور الكمي الذي يجب أن يتم تعزيزه بالحضور النوعي فهذا الكم يجب أن يعمل على تمكين الذات وأن يكون فاعلاً لا مفعولاً به وان يكون مؤثراً لا متأثراً وان يكون صانعاً لا مصنوعاً وأن تعزّز وجودها على المستويين الكمي والنوعي في المجال السياسي بما يحقق العدالة الاجتماعية بين الجنسين.
ولتحقيق هذا الهدف يجب على المرأة ألا تنظر لنفسها نظرة المنقاد الخاضع أوالمفهوم الخاطئ للحرية ولضمان أن تكون أصواتهن ليس فقط مسموعة بل مؤثرة في عمليات اتخاذ القرار الذي يسهم في تقديم الموارد، والانخراط في عملية صنع القرار والتمكين السياسي للوصول لعتبة القيادة والتأثير والقدرة المدروسة على التغيير، مما يؤسس أطر ما بعد نزاع المساواة بين الجنسين ويشكل مستقبلًا أكثر عدالة وديمقراطية تلبي تطلعات المرأة والمجتمع.
بقلم: فاطمة الفرج – عضو مكتب المرأة