على الرغم من تعدد المبادرات الدولية التي تسعى إلى حل الأزمة السورية، لا يزال الحل السياسي بعيد المنال. بدأت المفاوضات منذ مؤتمر جنيف في 2012، وتبعتها مسارات متعددة مثل أستانا وسوتشي، لكن أياً من هذه الجهود لم ينجح في الوصول إلى تسوية شاملة. ويعود السبب الرئيسي إلى التباين الكبير في مصالح الأطراف المعنية، سواء داخل سوريا أو خارجها.
تعتبر اللجنة الدستورية، التي أُنشئت بقرار من الأمم المتحدة لصياغة دستور جديد، خطوة هامة نحو الانتقال السياسي. إلا أنها تواجه عراقيل كبيرة، بسبب الفجوة الواسعة بين المعارضة والحكومة السورية، إذ يتمسك كل طرف بمواقفه دون تقديم أي تنازلات. كما أن غياب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن اللجنة، بسبب الفيتو التركي، يجعل من الصعب الوصول إلى توافق يشمل كل الأطراف، لا سيما في ظل سيطرتها على نحو ثلث سوريا وغياب ضغوط دولية كافية لدفع أطراف النزاع نحو حلول توافقية.
حتى في حال الوصول إلى حل سياسي، ستواجه سوريا تحديات هائلة في المستقبل. عملية إعادة الإعمار تتطلب استثمارات ضخمة تتجاوز 400 مليار دولار، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. ونحو نصف الشعب السوري ما بين نازح ولاجئ، مما يعقد أي محاولة لتحقيق الاستقرار. هذا بالإضافة إلى أجواء السلام السلبي التي تسود بين قطاعات واسعة من السوريين، ما يجعل البلاد عرضة لمزيد من الانقسامات والصراعات في ظل استمرار الخلافات بين القوى الدولية حول مستقبل سوريا.
التحدي الأمني لا يزال قائماً، حيث لا تزال بعض الخلايا الإرهابية التابعة لتنظيم داعش نشطة في مناطق مثل البادية السورية. كما أن التوترات الاجتماعية والسياسية بين السوريين، التي نشأت جراء مواقفهم المختلفة من الحكومة والمعارضة وحمل السلاح في مواجهة بعضهم البعض، تشكل تهديداً بإعادة إشعال الصراع إذا لم يتم التعامل معها بحذر وحكمة.
وقد عبّر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن مدى تعقيد الأزمة بقوله: “كل الشعر الأبيض الذي في رأسي سببه الأزمة السورية”، لتبقى هذه الأزمة واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في الواقع المعاصر. إن تعدد الأطراف المتداخلة وتضارب المصالح يجعل من الصعب تحقيق أي حل سياسي شامل، على الرغم من المكاسب العسكرية التي حققتها الحكومة السورية بدعم من حلفائها.
إن الوصول إلى استقرار دائم في سوريا يتطلب توافقاً سورياً حول أهداف وطنية مشتركة. ومن بين هذه الأهداف، احترام سيادة الدولة السورية ومنع تقسيم البلاد، وخروج جميع القوات الأجنبية، ووقف الانتهاكات والاعتداءات الخارجية، إضافة إلى وضع خطط اقتصادية لمعالجة الواقع المعيشي المتدهور. كما يتطلب تحقيق تسوية عادلة تشمل إعادة بناء الدولة، وضمان حقوق جميع الأطراف، وإعادة النازحين واللاجئين إلى ديارهم. بدون ذلك، ستبقى سوريا عالقة في دائرة الأزمات والتوترات، وسيظل السوريون يعانون من تداعيات أزمة مستمرة منذ أكثر من عقد.
بقلم : شادي بكار قيادة فرع حزب الوطن السوري في منبج