أكد عبدالقادر الموحد عضو المكتب السياسي والمستشار في حزب الوطن السوري، أن الإدارة الجديدة في سوريا ستواجه تحديات مصيرية تتطلب استراتيجية شاملة تضمن إعادة بناء الدولة على أسس حديثة تمنع تكرار أخطاء الماضي، مشددا على أن الاستقرار لن يتحقق إلا بإرساء نظام ديمقراطي يضمن سيادة القانون والفصل بين السلطات
أولويات الإدارة الجديدة: الدستور، القضاء، وإعادة هيكلة الأمن
وأشار الموحد إلى أن سوريا بحاجة إلى دستور جديد يعكس تطلعات كافة مكوناتها، ويضمن الحقوق والحريات الأساسية دون تمييز سياسي أو عرقي أو ديني. وقال:
“لا يمكن لسوريا الجديدة أن تبنى على الأنقاض نفسها التي سببت أزمتها، بل يجب أن يكون الدستور القادم تجسيدا لإرادة الشعب، وليس مفروضا من جهة معينة. يجب أن يكرس مبادئ الديمقراطية، ويضمن استقلال القضاء، لأن غياب العدالة كان أحد الأسباب الرئيسية في انفجار الأوضاع.”
وشدد على أن إصلاح النظام القضائي ضرورة حتمية، بحيث يكون مستقلا عن أي نفوذ سياسي أو أمني، وقادرا على محاسبة الفاسدين والمجرمين بعدالة وشفافية. كما لفت إلى أهمية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، مشيرا إلى أن الدولة بحاجة إلى مؤسسات أمنية احترافية تحترم القانون وحقوق الإنسان، لا إلى أدوات قمعية. وأضاف:
“إعادة تأهيل الأجهزة الأمنية أمر ضروري، بحيث تعمل وفق معايير وطنية شفافة بعيدا عن الولاءات السياسية والطائفية، وتخضع لرقابة مدنية لضمان عدم انحرافها عن مهامها الأساسية.”
الاقتصاد السوري: أزمة خانقة وحلول ضرورية
وتطرق الموحد إلى الوضع الاقتصادي المتدهور، مؤكدا أن التحدي الأكبر أمام الإدارة الجديدة سيكون إعادة بناء الاقتصاد المنهار، إذ يعاني السوريون من أزمة معيشية خانقة بسبب انهيار العملة، وتراجع الإنتاج، وغياب فرص العمل. وقال:
“لا يمكن تحقيق الاستقرار دون خطة اقتصادية واضحة تعيد هيكلة القطاعات الإنتاجية، وتوفر بيئة مناسبة للاستثمار، وتحارب الفساد والاحتكار، مع التركيز على دعم القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية التي توفر فرص عمل واسعة.”
وأوضح أن إعادة الإعمار يجب ألا تقتصر على البنية التحتية، بل تشمل تأهيل المجتمعات المتضررة، وإعادة الخدمات الأساسية إلى المناطق التي دمرها النزاع، ضمن خطة شفافة تضمن التوزيع العادل للموارد بين جميع المحافظات دون أي تمييز أو محسوبيات.
وأضاف:
“سوريا تحتاج إلى إعادة دمجها في النظام الاقتصادي العالمي، عبر بناء علاقات جديدة مع المؤسسات المالية الدولية، والتفاوض على إعفاءات من الديون، وتعزيز التجارة الخارجية والاستفادة من الموقع الاستراتيجي للبلاد.”
المصالحة الوطنية وإعادة بناء المجتمع
وفيما يتعلق بالمصالحة الوطنية، أكد الموحد أن الاستقرار السياسي والاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إذا استمرت الانقسامات العميقة التي خلّفتها سنوات الحرب، مشيرًا إلى أن المصالحة يجب أن تكون أولوية قصوى للإدارة الجديدة. وقال:
“إطلاق حوار وطني شامل يضم مختلف القوى السياسية والمجتمعية هو الحل الأمثل لوضع خارطة طريق تضمن مشاركة جميع السوريين في بناء دولتهم الجديدة، دون إقصاء أو تهميش.”
وأشار إلى أن إصدار عفو عام مشروط قد يكون خطوة ضرورية لإعادة دمج الأفراد الذين لم يتورطوا في جرائم جسيمة، مع إطلاق برامج تأهيل للمقاتلين السابقين لاستيعابهم في مؤسسات الدولة وفق معايير وطنية تمنع تحولهم إلى ميليشيات خارجة عن السيطرة.
كما شدد على أهمية العدالة الانتقالية كعنصر أساسي في أي تحول ديمقراطي ناجح، مشيرا إلى ضرورة إنشاء لجان مستقلة للتحقيق في جرائم الحرب والانتهاكات، مع اعتماد آليات قانونية واضحة لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم الكبرى، دون أن تتحول المحاسبة إلى أداة للانتقام، بل إلى وسيلة لإرساء العدل والمصالحة.
تحديات توحيد القوى العسكرية تحت مظلة وطنية
وحول مستقبل القوى السياسية والعسكرية بعد سقوط نظام بشار الأسد، أكد الموحد أن سوريا ستواجه تحديا كبيرا في توحيد الفصائل المسلحة تحت مؤسسة وطنية واحدة، مشيرا إلى أن تعدد الفصائل واختلاف ولاءاتها يجعل هذه المهمة معقدة.
وقال:
“نحن أمام واقع عسكري متداخل، حيث توجد فصائل معارضة، وقوات سوريا الديمقراطية، وقوات الدروز، واللواء الثامن في درعا، وكل منها يمتلك خصوصيته. التحدي يكمن في كيفية دمجها ضمن جيش وطني موحد، دون أن يؤدي ذلك إلى صراعات جديدة.”
وأوضح أن فرض الدمج بالقوة ليس حلًا عمليا، بل يجب أن يتم عبر عملية مدروسة تعتمد على الحوار والتفاهم، بحيث يتم استيعاب الفصائل تدريجيًا مع تقديم ضمانات بأن مشاركتها في الجيش لن تعني فقدان نفوذها بالكامل.
وأشار إلى أن بعض المناطق قد تحتاج إلى نموذج “اللامركزية العسكرية” لفترة مؤقتة، بحيث تحتفظ بعض القوى بنوع من الاستقلال الإداري ضمن إطار المؤسسة الوطنية، مع خطة دمج تدريجية.
إعادة تعريف العلاقات الخارجية لسوريا
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، شدد الموحد على أن سوريا بعد الحرب تحتاج إلى سياسة متوازنة تعيد بناء علاقاتها مع المجتمع الدولي، دون الارتهان لأي طرف خارجي.
وقال:
“يجب أن تنتهج الإدارة الجديدة دبلوماسية مرنة تعيد سوريا إلى المحافل الدولية، وتستعيد دورها الإقليمي. إقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى والإقليمية سيكون أمرا حاسما في تأمين الدعم اللازم لإعادة الإعمار، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.”
كما أكد على أهمية حل النزاعات الحدودية والمناطقية بالحوار والتفاوض، لضمان عدم تحول سوريا مجددا إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية.
سوريا الجديدة.. وطن لجميع أبنائه
وختم الموحد حديثه بالتأكيد على أن إعادة بناء سوريا ليست مجرد عملية سياسية أو اقتصادية، بل هي إعادة بناء وطن ومجتمع. وقال:
“ما نحتاج إليه اليوم هو التزام حقيقي من الجميع، وإرادة سياسية صادقة، لضمان أن تكون سوريا المستقبل دولة يحكمها القانون، ويعيش فيها المواطنون بحرية وكرامة، بعيدا عن الخوف والقمع والفوضى.”